في هذه المؤسسة العريقة وأعني بها مؤسسة الجزيرة الصحفية.. شكّلت خيمة أظلت الكثيرين واحتضنت الكثير وجسّدت بالفعل ذلك الحضن الدافئ الذي جمع ما بين الشمال والجنوب والشرق والغرب.. وكانت ملتقى انصهرت فيه كل الأطياف، وتلاقحت تحت هذه الخيمة أفكارٌ شتى.. لتُشكِّل بهذا التمازج لوحة باهية الألوان.. فيضة يعلها الوسمي فتراقص الروض بأغصان مورقة وبألوان شتى وروائح عطرية نفّاذة.. ذلك شيء يميز الجزيرة عن غيرها من مؤسساتنا الصحفية.. قدرها أن جمعت بين الكثير من الوجوه والقامات.. وأسست لعلاقات جسّرتها الجزيرة بقياداتها وكوادرها وفق رؤية ثاقبة رغم الفروق بين من تولى قيادة الجزيرة بين فترة وأخرى.. هذه العلاقة قد دامت وتوثقت وتوطدت وهو الأغلب في اعتقادي.. الجزيرة.. بيت طمع الكثيرون في ولوجه والعمل تحت مظلته.. فالجزيرة محطة تؤهل وتدرِّب وتصقل وتهيئ وتقدم كوادر متمرسة تدفع بهم عبر بوابتها الواسعة لمراكز قيادية.. وقد خرجت الكثير من القيادات الصحفية من عباءة هذا الكيان الإعلامي الكبير، وهي تباهي بهم.. وتفاخر وتفتخر بكل من غادر قبتها ليتسلم الهرم والقيادة في مواقع إعلامية أخرى.
** عبد الرحمن بن فهد الراشد بعيداً عن كل الألقاب والمسميات واحد من قيادات مؤسسة الجزيرة الصحفية.. وحين أقول بعيداً عن الألقاب فلأنه لم يشعرنا يوماً بأن إطلاق اللقب والصفة ذو أهمية أو قيمة، بقدر ما يشعرك بأن العلاقة الصادقة والحميمية في التعامل أرقى وأنبل من أية صفة أو لقب، وهي القادرة على صنع النجاح وتحقيقه في عمل لا يصنعه أو يبلوره أو يقدمه التباهي بالمسميات.. قيادي قدم للجزيرة من بابها الواسع ليعطيها الكثير من خبرته وتجربته وعصارة جهده في حقل الإعلام، وهو المتمرس والضليع فيه، مع هذا الرجل سعدت بالعمل تحت إدارته مديراً لمكتب وهو مدير عام للمؤسسة لمدة اثني عشر عاماً.. وفي كل يوم أكتشف الكثير في شخصه، وأتعلم الكثير من تجربته فأجده قريباً منا.. قريباً من عملنا.. قريباً من همومنا.. يشاطرنا الهموم ويشاركنا الآمال والتطلعات.. فهو سعى لبناء مؤسسي لهذا الكيان وأُجهد لتحقيقه.
وقد تحقق الكثير وما زال في الجعبة الكثير الكثير.. وسيتحقق لها ما يجعلها الرائدة والمتفوقة - بحول الله -.. وأسأل الله لخلفه زميلنا أخي العزيز الأستاذ عبداللطيف العتيق في مهمته الجديدة التوفيق والنجاح ليكمل ما بُدئ فيه.
** أعود لوالدنا عبدالرحمن الراشد - وفقه الله ومتعه بالصحة والعافية - فقد عرفته وكيلاً مساعداً للإعلام الداخلي بوزارة الإعلام.. حين كنت أميناً للغرفة التجارية الصناعية بالقريات.. وأصدرت الغرفة مجلة (القريات) وكنت مسؤولاً عن تحريرها.. وقد عبرنا الكثير من الأنفاق.. وتخطينا الكثير من الحواجز وسلكنا المراهنات.. بين الفشل والنجاح.. بين ما نريد وما يُراد.. الممكن وغير الممكن.. وفي ظل تلك التجاذبات الكثيرة كان يُفاجئني أبو مصعب بأكثر من اتصال.. ليس من باب التأنيب والترهيب.. بحكم موقعه ومسؤوليته الرسمية، بل من باب الموجه والناصح والمُلاحظ والناقد.. وأنا مدين له بالكثير.. فقد استفدت منه في كلا الموقعين.. أسأل الله أن يجزيه كل خير.
** لقد ترجل الأستاذ عبد الرحمن الفهد الراشد عن كرسي المسؤولية في هذه المؤسسة ليرتاح فأقول له: لقد غادرت المؤسسة وأنت محل تقدير من الجميع ولك في القلب مكان سكنته بطيبتك وصدقك ونقائك.. غادرت المكان بعد أن بذلت ما استطعت من جهود مقدرة من كل من زاملت وتعاملت معه، فقد تركت بصمة، وتركت السمعة الطيبة والذكر الحسن والدعاء لك بالتوفيق والصحة الدائمة، كنت أخاً نلجأ إليه في الكثير من الأمور فنجدك الأب في عطفه وأريحيته.. فكثيراً ما بددت همومنا بأريحيتك وسعة صدرك وحلمك علينا.. وستبقى مشرقاً وحاضراً وقريباً إلى القلب.. أبو مصعب وإن ترجلت.. تبقى ذلك الإنسان بكل ما تعنيه كلمة الإنسانية.. فلك محبة من إنسان يحمل لك المحبة والتقدير.. وفقك الله.