يحس بمن كان معبراً للرؤى أن يكون تالياً للقرآن الكريم.. حافظاً مستحضراً للآيات ومعانيها وربطها بتأويل تلك الرؤى لتعبيرها وتفسيرها، يقول العلاّمة ابن القيم - رحمه الله تعالى -:
(أمثال القرآن الكريم كلها أصول وقواعد لعلم التعبير لمن أحسن الاستدلال بها، وكذلك من فهم القرآن فإنه يعبر به الرؤيا أحسن تعبير، وأصول التعبير الصحيحة إنما أُخذت من مشكاة القرآن) (إعلام الموقعين: 1 - 148).
ويبيّن الإمام البغوي كما في: (شرح السنة: 12- 220-221): طريقة التعبير بمدلول القرآن الكريم فيقول: (فالتأويل بدلالة القرآن، كالحبل يعبر بالعهد لقوله: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ}، والسفينة تعبر بالنجاة لقوله سبحانه وتعالى: {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ}، والخشب يعبر بالنفاق لقوله عز وجل: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ} والحجارة تعبر بالقسوة لقوله جل ذكره: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}، والمريض بالنفاق لقوله تبارك وتعالى: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ}، والبيض يعبر بالنساء لقوله سبحانه وتعالى: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ} وكذلك اللباس لقوله سبحانه وتعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ}، واستفتاح الباب يعبر بالدعاء لقوله سبحانه وتعالى: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ}.. أي: تدعوا، والماء يعبر بالفتنة في بعض الأحوال لقوله عز وجل: {لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} وأكل اللحم النيئ يعبر بالغيبة لقوله سبحانه وتعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا}.. إلى آخر ما ذكر - رحمه الله تعالى -.
وعلى هذه الطريقة فقس بالاستدلال بمدلول القرآن الكريم كالهدية في المنام: فرح لقوله تعالى: {بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ}، والبقر بالسنين، فإن كانت سماناً كانت مخاصب (رزق وخير) وإن كانت عجافاً كانت مجادب (جوع وفقر) لقوله تعالى كما في قصة نبي الله يوسف عليه السلام: {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ}، والركوع يعبر بالتوبة لقوله تعالى: (وخر راكعاً وأناب).. ومن رأى أن الله غضب عليه سقط من مكان رفيع لقوله تعالى: {وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى}.
والعلو والصعود في السماء رفعة لقوله تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}، قال البغوي كما في: (شرح السنة: 12-220): ومن رأى أنه صعد السماء فدخلها نال شرفاً، وذكراً ونال شهادة، والطيران في الهواء عرضاً سفرٌ ونيل شرف.. وأهل التعبير زادوا وفصلوا فقالوا: فإن طار مصعداً أصابه ضر عاجل، فإن بلغ السماء كذلك يبلغ غاية الضر، فإن تغيب في السماء ولم يرجع مات، فإن رجع نجا بعد ما أشرف على الموت وهكذا كل بحسبه.. وما هذه الرموز إلا أمثلة تختلف باختلاف الرائي وحاله وطريقة الاستدلال بمدلول القرآن الكريم.
لكن أخيراً أحبتي: لا يلزم من رأى أشياء في المنام وردت أسماؤها وألفاظها في القرآن الكريم أن يكون هو تفسيرها. لا.. لا يستطيع تحديد هذا إلا المعبر المتمرس في التعبير فلينتبه لهذا.. زادنا الله وإياكم علماً نافعاً.
******
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 9702 ثم أرسلها إلى الكود 82244