Al Jazirah NewsPaper Friday  14/03/2008 G Issue 12951
الجمعة 06 ربيع الأول 1429   العدد  12951
(الجزيرة) تواصل فتح ملف (المنابر في مواجهة الفكر التكفيري) (2-4)
17ألف منبر جمعة .. واستراتيجية مواجهة الإرهاب

الجزيرة - خاص

17 ألف مسجد جامع، بـ 17ألف منبر جمعة، بـ 56 ألف خطبة في الشهر على مستوى المملكة، ماذا فعلت في موجهة الفئة الضالة؟! وما هي النسبة التي خصصت من خطب الجمعة على مستوى المناطق لكشف الفكر التكفيري والإرهابي؟! والاستراتيجية التي ينطلق منها منبر الجمعة في تحصين الشباب ضد الإرهاب؟!

هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على عدد من خطباء الجمعة؟ في الملف الذي فتحته (الجزيرة) للتعرف على دور رجال المنابر في مواجهة الفئة الضالة، وهذه هي الحلقة الثانية من الملف:

المزيد من الجهود!

يؤكد الشيخ طرفي بن عقلا العنزي (إمام وخطيب جامع الأميرة سارة بعرعر بمنطقة الحدود الشمالية): إن لخطبة الجمعة عظيم الأثر في التوجيه وتقويم المعوج من الأفعال والأفكار كيف لا وقد توافرت الأمور والدواعي التي تجعل خطبة الجمعة من الأهمية بمكان، فحضور العدد الكبير على هيئة معينة وبأدب خاص من مراعاة حسن الإنصات والاستماع ورجاء الأجر والثواب في يوم يخلو من الشواغل والأعمال عادة وتهيئة الجوامع بما يناسب الأجواء ويليق بالأحوال وإعداد الخطيب ذي التأثير والعلم كل تلك الأمور عوامل تجعل من خطبة الجمعة بالغة التأثير عظيمة النفع بإذن الله تعالى، ولا غرو إن الوقوع في مستنقعات الإرهاب الآسنة وبؤر الأفكار الضالة ما ينتج عنها من تكفير وآراء شاذة تتوالد معها أعمال العنف والقتل ورفض الطاعة وزعزعة الأمن من المواضيع التي يجب على الخطيب أن يوليها العناية الخاصة بمختلف الأساليب وبشتى الطرق من ترسيخ أدلة الشرعية في أذهان المصلين من وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر ومن أهمية المحافظة على الجماعة وبيان نعمة الأمن وخطورة المساس بها والتقعيد الصحيح لمسائل الجهاد وضرورة توضيح إرجاع الأمر إلى أهله من الإفتاء وهيئة كبار العلماء، مراعياً الخطيب الآتي:

* التقعيد الصحيح للمنهج السليم.

* التنويع في الأدلة والحرص على استقصائها بين فترة وأخرى.

* ضرب الشواهد من التاريخ فيما يخص ما جره الغلو والعنف من ويلات على الأمة.

* تحفيز المأموم ليكون بنفسه مسؤولا عن التحذير من الأفكار المضلة.

* الوضوح في الطرح وترك الموهم من الكلام.

ورغم الجهد المبذول من خطباء الجوامع والأئمة حيال هذا الأمر إلا أن التطرف والرد على شبه أصحابه وتنوع الأساليب يحتاج بذل المزيد وتعاون الجميع ووضع آليات التحذير بكل ما يأسر القلوب ويكسب الأذهان بالطرق الصحيحة لا سيما وأن مستنقعات الغلو والجفاء متعددة وقنواته متجددة، والصحافة هي الأخرى مدعوة للتعاون مع أهل العلم وطلبته في هذا المجال حتى يكون التحذير مبنياً على أسس سليمة ويكون النقد هادفاً.

الخطر الجسيم!!

ويشير الدكتور حزام بن سعد الغامدي (إمام وخطيب جامع السويسية بمنطقة الباحة): إن لمنبر الجمعة دوراً لا ينكر في مواجهة الفكر الإرهابي الذي جنح وطفح، وأصبح ذا خطر عظيم، ووبال جسيم على مستوى الفرد والجماعة، يهدد الأرواح قبل أن يهدد الأموال والممتلكات ويفسد الدين قبل أن يفسد الدنيا، يفرق ولا يجمع، ويدمر ولا يعمر، ويحزن ولا يسر، ينال به العدو بغيته، والخصم أمنيته، والحاسد حاجته، لذلك كان من الواجب الذي لا محيد عنه ولا محيص منه أن يقوم الخطباء الذين هم صفوة القوم - فيما يرى- ونخبة المجتمع - فيما يعتقد- بمواجهة هذا الخطر المحدق وهذا الشر الجارف بكل ما أوتوا من قوة العلم مع قوة البيان، ومن صواب الحجة مع وضوح المحجة، وذلك من خلال أساليب متنوعة، وطرق مختلفة، كلها تصب في نهر الإخاء وينبوع الصفاء وبستان الوفاء، منها:

أولاً: خطب إيمانية تتحدث عن عظمة الله، وعن الجنة ترغيباً والنار ترهيباً، ويأتي في طياتها التحذير من تجاوز أمر الله والاعتداء على محارم الله.

ثانياً: خطب علمية يبين فيها حكم الجهاد وضوابطه الشرعية، وحرمة دماء المسلمين وحكم قتل الذميين وما يجب لحكام المسلمين على الرعية مما هو دين ندين الله به.

ثالثاً: خطب اجتماعية تتحدث عن عوامل سلامة المجتمع وأمنه وراحته، وتدعو إلى التآلف والتحاب وجمع الكلمة، تنطلق من كتاب الله محذرة من مخالفة أمره، وهو يقول: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (46) سورة الأنفال.

رابعاً: خطب تتحدث عن نعمة الله الظاهرة الباطنة وما في هذه البلاد المباركة من الخيرات، سواء من حيث كثرة الجهات الخيرية ودعم الراعي والرعية لها مع ذكر إحصائيات وأعداد تظهر حقيقة ذلك، أو من حيث التمتع بنعمة الأمن ورغد العيش وعدم التفسخ والانحلال علانية مما نراه في بلدان أخرى، ومقارنة هذا الواقع بالواقع الأليم الذي تعيشه بلدان مجاورة تبذل صفوها كدراً، وذهب أمنها شذرا، وتفرقت كلمتها، فاستبيحت بيضتها، وهانت وذلت بعد عزة وقوة، فإذا أحزانها تتجدد ودماؤها تتدفق، وخيراتها تنهب.

وقائي.. وعلاجي

ويؤكد الدكتور صالح بن محمد الونيان (إمام وخطيب جاع الإمام محمد بن عبدالوهاب ببريدة بمنطقة القصيم): أن دور منبر الجمعة- المنبر النبوي- في مواجهة الفكر المتطرف الإرهابي دور علاجي ودور وقائي، أما الدور العلاجي فهو بيان خطر اعتناق هذا الفكر ومآل صاحبه في الآخرة؛ إذ إن معتنق هذا الفكر يقوده ذلك إلى استحلال دماء المعصومين والإضرار بأموالهم، وكل ذلك متوعد صاحبه بالوعيد الشديد قال سبحانه: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (93) سورة النساء.

وقال سبحانه: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} قال الطبري: (لا يقتل بعضكم بعضا وأنتم أهل ملة واحدة ودعوة واحدة ودين واحد، فجعل الله أهل الإسلام كلهم بعضهم من بعض وجعل القاتل فيهم قتيلاً في قتله إياه بمنزلة قتل نفسه).

فليسمع الوالغ في الدماء إلى هذا الوعيد؛ ففي حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركاً أو مؤمن قتل مؤمناً متعمداً، من قتل مؤمناً فاعتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا - لا يزال المؤمن معنقا صالحا ما لم يصب دما حراما، فإذا أصاب دما حراما بلّح أي وقع في الهلاك) رواه أبو داود وصححه الألباني.

ثم يبين لمن وقع في ذلك أن أول من يكتوي بنار عمله هم أهله وعشيرته إضافة إليه، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ أما الدور الوقائي فهو يتمثل في عدة خطوات:

الأول: بيان خطر العبث بالفكر، وأن العبث بالفكر سبب للعبث بالنار، بل هو أخطر، وما حوادث القتل إلا دليل على ذلك.

الثاني: إحياء وازع المراقبة لله تعالى بحيث يخشى المرء ربه ويشعر بأنه رقيب عليه، وأنه سيحاسبه على كل عمل مهما أخفاه.

الثالث: إشاعة ثقافة الحب والألفة بين أفراد المجتمع والتعاون المشترك والتعاون على البر والتقوى والتعاطف والرحمة حتى يشعروا وكأنهم جسد واحد.

الرابع: يجب أن يتربى الصغار على أن الأمن خيار لا أولوية عليه وأن التفريط بأمن المجتمع تدمير له بكل شرائحه.

الخامس: أن يبين للناس أن الكليات الخمس والضرورات التي حفظها الإسلام وهي: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال؛ لنعلم أنها كتلة واحدة مترابطة وأن أي تهديد لواحد منها يعرض بقيتها للانهيار؛ فهي بمثابة حبات العقد إذا انفرطت واحدة منها تتابعن خلفها.

السادس: إحياء محبة الأوطان في نفوس الناشئة وبيان أن محبة الوطن من الدين والنبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (هذا أحد جبل نحبه ويحبنا وهذا يدل على محبة الأوطان). ولله در القائل: عسرك في بلدك ولا يسرك في غربتك، ولابد أن يعيش الناشئة هموم بلدهم فإن النملة وهي عجماء تعيش هم قومها- كما ذكر الله ذلك في محكم كتابه: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} (18) سورة النمل.

فكيف يتعاطف مسلم مع من يلحق الضرر بالمسلمين؟




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد