يتغير الزمان والمكان وتتغير الرموز إلا أن أدوات السخرية بالإسلام وأهله لا تتغير فهي تحمل نفس الهدف ونفس الاتجاه الرامي للسخرية من الإسلام وشعائره وأهله؛ فأول ساخر بالإسلام وأهله على وجه الأرض لا يختلف هدفه البتة عن هدف آخر من يسخر وسيسخر من الإسلام وأهله!!
فذلكم الهدف عنوان كبير ثمة أهداف تنضوي تحته، والسخرية بالرسل وأتباعهم ومن ثم المسلمين على مر العصور لا ريب أنها جريمة نكراء وفعلة شنعاء، والساخر من غيه وطغيانه منكوس الفطرة حيث يرى الإيمان ضلالا والاستقامة انحرافا والرذيلة فضيلة.
ولقد برزت وتعددت في زمننا هذا صور السخرية بالإسلام وأهله منها إطلاق النكات ورسم الكاريكاتير وإنتاج الأفلام الهزلية وكتابة المقال الساخر ومن خلال خشبة المسرح أو عبر الشاشات الفضائية إمعانا من ذلك الساخر في السخرية وإشهادا منه للعالمين على نفسه بانتكاسة فطرته وسوء فعلته وبؤس حالته ودناءة نفسه وتلك - والله - لعجيبة من عجائب هذا الزمن -!!
ومن الصور التي ذكرها الله في كتابه الكريم لهذه السخرية آيات تتلى إلى قيام الساعة وهي قوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انقَلَبُواْ إلى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ (32)وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما َكَانُوا يَفْعَلُونَ) .فقد سخر بالرسل من قبل محمد - صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين - فقد قال تعالى:(وَلَقَدِ استهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ)أما في مكة فقدم كبار المشركين تبعا لمن سبقهم وقدوة لمن لحق بهم ومن سيلحق بهم إلى يوم القيامة كانوا بزعامة كبيرهم أبو جهل يضحكون من أهل الإيمان عمار وصهيب وبلال وغيرهم من فقراء المؤمنين رضوان الله عليهم، وفي التفسير الميسر: (إن الذين أجرموا كانوا في الدنيا يستهزئون بالمؤمنين، وإذا مروا بهم يتغامزون سخرية بهم وإذا رجع الذين أجرموا إلى أهلهم وذويهم تفكهوا معهم بالسخرية من المؤمنين وإذا رأى هؤلاء الكفار أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - قد اتبعوا الهدى قالوا إن هؤلاء لتائهون في اتباعهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وما بعث هؤلاء المجرمون رقباء على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، فيوم القيامة يسخر الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه من الكفار، كما سخر الكافرون منهم في الدنيا).. الساخرون بالمؤمنين لا ريب أنهم عصاة وهم كغيرهم من العصاة لم يعصوا الله إلا بنعمة فلو كان على سبيل المثال أحدهم أبكم لما سخر بالمؤمنين بلسانه، ولو كان أحدهم مشلولا لما سخر بالمؤمنين بحركاته، لو كان أحدهم قبل ذلك وبعده فاقدا لنعمة العقل لما سخر بالمؤمنين ولا بغيرهم البتة، وقس على ذلك كما أنهم لا ريب خاسرون لا محالة فالعبرة من يضحك أخيرا، فأهل الإيمان هم الذين يضحكون أخيرا وذلك بنص الآية الكريمة.
لذا السخرية بأهل الإيمان داء خطير على سلامة أي مجتمع في الدنيا والآخرة إذا لم يقاوم ذلك الداء بإنكاره صراحة لأنه مخالفة صريحة لأمر الله وجالب لسخطه - جل وعلا - مستوجب لعذابه، ونذير شؤم وموت للقلب وميلاد للغفلة والحسرة والندامة في يوم فيه حساب ولا عمل حينها ولات ساعة مندم( أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ)
ajardan@Maktoob.com