Al Jazirah NewsPaper Friday  14/03/2008 G Issue 12951
الجمعة 06 ربيع الأول 1429   العدد  12951
مستقبل الطيران المدني
دينيس بوشنِل

إنّ الطيران المدني يمر الآن بمرحلة التحوُّل إلى صناعة (ناضجة)، بكل ما يترتب على ذلك من مشاكل ومنغصات. ظلت التطورات التكنولوجية لعقود من الزمان تشكِّل إضافة أساسية إلى القيمة، وما زالت الصناعة تعتمد إلى حد كبير على طائرات النقل التي تقطع مسافات طويلة، مع نشوء جيل جديد من الطائرات النفاثة الصغيرة، وفي ظل تراث أسواق الطيران العامة ومنتجاتها، إلاّ أنه بات من الواضح على نحو متزايد، أنّ الصناعة لا يمكنها البقاء على هيئتها هذه.

إنّ المشاكل التي تبتلي هذه الصناعة، تتضمن التلوث الناجم عن الانبعاثات، والمنافسة المتزايدة (وخاصة من جانب صناعة الاتصالات، التي جعلت سفريات العمل أقل ضرورة)، فضلاً عن التأخير بسبب مراقبة المرور الجوي، وتوسع القيود على الضوضاء، والمخاوف المتعلقة بالسلامة والأمن، وبيئة العمل الكلية التي تعتمد إلى حد كبير عن أسعار الوقود. وربما يتطلّب إيجاد الحلول لكل هذه المشاكل إعادة صياغة تكنولوجيا الطائرات بالكامل.

يكمن الأمل الأعظم في ثورة المعلومات المستمرة التطور، والتقنيات الحديثة، وثورات التكنولوجيا الكمية. إنّ ثورة تكنولوجيا المعلومات وكل ما يرتبط بها من تقنيات، توفر لنا الحل الأعظم: أو (الفضاء الرقمي) الذي يدار بصورة أوتوماتيكية بالكامل فيما يتصل بمراقبة الحركة الجوية، والملاحة، وتشغيل الطائرات. لقد أصبح التشغيل الآلي للطائرات أمراً معتاداً بالفعل - وخاصة في المجال العسكري - إلاّ أنّ المزيد من التقدم على هذا المسار، يتلّطب بنفس القدر وجود فضاء جوي أوتوماتيكي.

إنّ الفضاء الرقمي بدوره من شأنه أن يمهد الطريق أمام ثورة كاملة على مستوى التحرك الشخصي، فإلى جانب التقنيات الحديثة التي تمكن الإقلاع والهبوط باستخدام حيز صغير للغاية، يستطيع الفضاء الرقمي أن يزوِّدنا بمركبات جوية شخصية نستطيع وضعها أمام مساكننا. والتكنولوجيا الجديدة المسماة بالهمفيز الطائرة flyinand Hum Vee أو المركبات المتعددة الأغراض السهلة الحركة، تصلح كوسيلة نقل ممتازة في المناطق التي تفتقر إلى الطرق بين المدن، وقد تكمل السيارات في النهاية - أو ربما تحل محلها.

يمكنكم الاطلاع على المجموعة المتنوعة من الآلات الخاضعة للدراسة الآن بزيارة الموقع التالي على شبكة الإنترنت www.roadabletimes.com ويقدّر حجم السوق العالمية لمثل هذا النوع من المركبات بحوالي تريليون دولار أمريكي، وقد يؤدي استخدامها إلى تآكل الخطوط الجوية الداخلية المجدولة على أساس العميل، وذلك بالسماح بالرحلات التي تبلغ مسافتها 300 كيلو متر، وتجنب التكاليف الضخمة اللازمة لتعبيد الطرق وإنشاء الجسور والكباري.

ولكن حتى في حالة إنتاج نظام انتقال بري جوي شخصي آمن ورخيص نسبياً لمركبات تهبط وتقلع من مطارات مستقلة، فلسوف تظل الحاجة قائمة إلى إعادة صياغة وسائل النقل بعيدة المدى، وخاصة الرحلات عابرة المحيطات، إذ إنّ الآلات الحالية من هذا النوع من الطائرات، تنحدر بشكل مباشر من الطائرة البوينج 707، وبعد عدّة عقود من التطوير والتحسين، ما زال هذا التصميم يفتقر ببساطة إلى القدرة اللازمة للتعامل مع العديد من المشاكل التي تحتاج إلى حل.

هناك العديد من البدائل، مثل الأجنحة المدمجة أو الأجنحة المطوية، التي تقدم لنا إمكانية زيادة نسبة الرفع إلى السحب، وتحسين الاحتكاك بالبدن .. مثل هذه التحسينات من شأنها أن تزوّدنا بالهامش التصميمي اللازم للتعامل مع أغلب المشاكل الحالية، باستثناء الانبعاثات الغازية الناتجة عن احتراق الوقود.

ومن الممكن معالجة قضية الانبعاثات المائية من خلال التصاميم التي تمكن طائرات المسافات البعيدة من الطيران تحت ارتفاع 9000 متر. وقد تتاح هذه التصاميم باستخدام مراقبة الدوران بغرض توفير قدر أعظم من الرفع. وما ينتج عن ذلك من طائرات قادرة على الإقلاع والهبوط باستخدام حيز بسيط، من شأنه أيضاً أن يساعد في تحسين إنتاجية المطارات.

من ناحية أخرى، يمكن تقليص الانبعاثات الغازية من ثاني أكسيد الكربون باستخدام الوقود الحيوي، المصنوع من النباتات التي تم دفع (ثمن) ما تحتويه من ثاني أكسيد الكربون عن طريق امتصاصها لنفس الغاز من الغلاف الجوي أثناء نموها. أما معدلات انبعاث الغازات الأخرى المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، مثل حامض النيتريك، فيمكن تخفيضه عن طريق ابتكار التصاميم الذكية لغرف الاحتراق.

نظراً لحجم وشدة المشاكل التي تواجه صناعة الطيران المدني في الوقت الحالي، فلم يعد التناول التقليدي للتغيرات التطورية الطارئة على النماذج الجالية كافياً، بل لقد بات لزاماً على الصناعة بالكامل أن تعيد صياغة نفسها. ففي ظل الفضاء الرقمي، وبالاستعانة بالدعم البحثي اللائق، يصبح النجاح وارداً بل ومرجحاً.

دينيس بوشنِل .. كبير علماء مركز لانغلي للأبحاث
التابع لوكالة ناسا للفضاء
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2008م



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد