يظن الكثير من الناس أن الأطباء يعيشون حياة هانئة سعيدة دوماً بعيدة عن المشاكل العاطفية والعائلية، لكن الحقيقة أن بقدر ما للأطباء من سعادة في حياتهم بقدر ما تواجههم الصعاب والمحن والمآسي. |
سأتحدث اليوم عن موضوع (زواج الأطباء من أجنبيات وما فيه من سلبيات). |
ما من أحد منا ينكر أن الشعر الأشقر والعيون الزرقاء لهما سحرهما الجذّاب، وجمالهما الفتّان اللذّان يأخذان بألباب وعقول الأطباء وغير الأطباء أيضاً. |
وسأقصّ عليكم اليوم ثلاث حوادث حقيقية محزنة ومؤسفة في نفس الوقت عن مثل تلك الزيجات. |
الحادثة الأولى: منذ ربع قرن تقريبا سافر أحد أصدقائي وأبناء حارتي إلى فرنسا للتحضير للاختصاص في الجراحة العامة. هناك عاش قصة حب مريرة مع ممرضة فرنسية انتهت بالزواج وكان حصيلة ذلك الزواج ولدان... قابلته مؤخراً في باريس واطمأننت عن صحته بعد أن منّ الله بشفائه من ورمٍ ألمّ في صدره، ثم ذكر لي في سياق الحديث بأنه منفصل عن زوجته ولم يرَ أولاده منذ أكثر من خمسة أعوام والمحاكم قائمة فيما بينهما.. . دعوت له بالتوفيق على أن تُحلََّ الأمور في أسرع وقت ممكن... منذ أسبوعين تعرّض ذاك الصديق لحادث سير في فرنسا لاقى على أثره وجه ربه. |
وعندما سافر أحد إخوته لاستلام الجثمان كانت له الزوجة بالمرصاد، فلقد رفضت نقل الجثة ودفنها في موطنه الأصلي وتلكأت في تسليم الجثمان لأهله كي يتم الدفن بما يتناسب مع الأصول والعادات، والمتاعب والمصاعب مع الزوجة ما زالت قائمة حتى كتابة تلك السطور... |
الحادثة الثانية: اصطحبني أحد الأصدقاء يوما بسيارته إلى إحدى الساحات الرئيسة في مدينة دمشق، ثم أشار بإصبعه إلى رجل أشعث، رث الثياب جالساً على كرسي صغير أمام مرسم خشبي متهالك، وسألني صديقي قائلاً: هل تعرف ذاك الرجل؟ قلت له: لا... لا أظن أني قد رأيته من قبل في حياتي كُلّها. |
ردّ صديقي قائلاً: بل رأيته كثيراً. إنه فلان... زميلنا في الجامعة. لم أصدّق يومها ما رأيت.. . فزميلنا « فلان» كان من المتفوقين والمميزين في كلية الطب وذهب للاختصاص في أمريكا ومنذ التخرّج انقطعت أخباره عني تماماً. فما الذي جرى؟ وما الذي حوله من طبيب ماهر إلى رسّام متشرّد؟ ردّ علي صديقي قائلاً: لقد أحبّ فتاة أمريكية وتزوجها وأنجب منها طفلة واحدة، وفي أحد الأيام عندما كان مناوبا في المستشفى ليلاً حضر إلى منزله على عجل فوجد زوجته مع عشيقها في غرفة نومه وعلى سريره... ومن يومها أصابته صدمة عاطفية وانفصام في الشخصية. وأخذ يتساءل إن كانت تلك الطفلة هي من صلبه أم لا. وطلّق الزوجة.. . فخسرها والطفلة معاً، وجزءاً كبيرا من ماله. ثمّ عاد أدراجه إلى موطنه الأصلي بتلك الحالة فاقد العقل، عليل النفس، فقير الحال. |
الحادثة الثالثة: منذ أربعين عاما تقريباً ابْتُعِثَ أحد أقربائي للتحضير للاختصاص في فرنسا على أن يعود أستاذاً في كلية الطب بجامعة دمشق، هناك أحبّ فتاةً باريسيةً ووقع في غرامها وتزوجها كما هي العادة. وراق له العيش في فرنسا بعد أن عُيّن أستاذاً في إحدى جامعاتها. منذ عشرة أعوام تقريبا زرته في منزله المتواضع في باريس، وكان ذلك اللقاء الأول معه، فأنا أسمع الكثير عنه وعن إنجازاته الطبية ومركزه الجامعي المرموق. استقبلني في منزله وفي غرفته بالذات... كانت غرفة صغيرة توزعت فيها المصاحف في كل ركن، وزَيّن جدرانها بآيات من القرآن الكريم، وكانت سجادة الصلاة مفروشة على الأرض بشكل دائم وكأنها تأكيد منه والتزام لا يتزحزح بعقيدته. في الغرفة الملاصقة له كان كل شيء مختلف تماماً. فالغرفة مخصصة للزوجة فقط. |
وهناك كل شيء يؤكد التزامها المتين بعقيدتها.. وأذكر أنه قالي لي يومها: ثلاثون عاماً يا بُنيَّ ما استطعت يوما أن أثنيها عن دينها ولا استطاعت أن تُثنيني عن ديني أيضاً، وكلٌ منّا يعيش على هواه مع أننا في منزل واحد وتحت سقف واحد، له منها ولدٌ واحد لم يره منذ أعوام طويلة... |
يدعوه (داوود) وتسمّيه أمٌَه (ديفيد). لكنّ الولدَ بقيَ يَمُنّ على والده باتصال هاتفي منذ فترة لأخرى... منذ عامين عاد قريبي الأستاذ الجامعي إلى مدينته الأم التي ولد فيها وكأنه سئم العيش في فرنسا والحياة فيها... كان همه الوحيد الزواج من بلده (كما قال)... وكأن فرنسا وجنسيته الفرنسية لم تكونا يوماً بلده!... لكنّه فشل في تحقيق تلك الأمنية... فمن سيتزوج ذلك الرجل الأكاديمي السبعيني؟. أعتقد أن في تلك الحوادث الثلاث عبرةٌ واسعةُ الأطر، وحكمة بالغة النذر، وإنّني بالتأكيد لا أرى أن كل زواجٍ من أجنبية مصيره الفشل وتشتت العائلة، ولربما كان للموضوع نتائج إيجابية، لكنها في كل الظروف لا توازي أو تماثل نتائجها السلبية قبل أن أختم معكم اليوم يستحضرني قولان يتعلقان بتلك الوقائع: مثلٌ شعبي معروف، وبيتان من الشعر مازلت أحفظهما عن ظهر قلب. |
المثل الشعبي: (زيوان البلد ولا حنطة جلب)، وأما الأبيات الشعرية فهي للشاعر المهجري (إلياس فرحات) رافضا الزواج من أجنبية بقوله: |
ولو لم تكوني فرنجية |
لكنتِ سُعاديَ قبل سُعادِ |
ولكنني عربي الهوى |
عربي المنى عربي الفؤاد |
|