«الجزيرة» - بندر الايداء
يعد البحث العلمي والابتكار رافدين للتنمية المستدامة لأجل دعم أي خطة تنموية، إذ يلعب الابتكار دوراً أساسياً في تقدم المجتمعات، وهو الأداة العصرية التي تسهم في تنمية المجتمع وتطوره.
ويرى البعض أن أي مجتمع إذا استطاع توجيه الأفكار والمواهب التوجيه السليم وتكاملت فيه منظومة البحث العلمي والتطوير التقني وإشاعة مناخ الموهبة والإبداع والابتكار -إذا استطاع ذلك-..
وتلعب الاختراعات والابتكارات دوراً مهماً في عملية نقل وتوطين وتطوير التكنولوجيا بما يتواءم مع ظروف البلد، حتى أصبح التطور التكنولوجي هو المعيار الفارق بين التقدم والتخلف في العصر الحالي وهو الطريق لتحقيق التنمية وتطوير المنتجات في عالم يحترم العلم ويقدر الموهبة والإبداع، وفي ظل اقتصاد دولي يقوم على المعرفة واستثمارها لخدمة التنمية الوطنية عبد الرحمن المطوع مستثمر وكاتب متخصص في قضايا التنمية يرى أن البحث العلمي والابتكارات يلعبان دوراً مهماً في التنمية شريطة أن يكون هناك استثمار لهذه الابتكارات بما يضمن انتشارها ويستطرد: أحياناً تكون هناك اختراعات وابتكارات ولكنها قليلة الانتشار مما يؤدى إلى انعدام نفعها.
ويضرب مثالاً على ذلك ب(شعلة الأولمبياد) بقوله: الابتكار مثل شعلة الأولمبياد تنتقل من يد إلى يد ومن شعب إلى آخر ومن حضارة إلى حضارة وكذلك الابتكارات من المهم انتقالها للآخرين وللعالم من أجل التطوير.
ويتحدث المطوع عن دور المعارض في ربط الابتكارات والاختراعات بالبيئة مؤكداً أهمية مثل هذه التجمعات لأنها تهدف إلى إيصال ما لدى الناس من أفكار ومعلومات وابتكارات واختراعات إلى الآخرين بأمانة وحرص فكل الاختراعات الحديثة والمهمة مثل اكتشاف الجين تم الإعلان عنها في مؤتمرات سجلت الحدث ووثقته علمياً ويضيف: المعارض كابتكار 2008 هي البصمة الأهم بالنسبة للابتكارات غير التسجيل الرسمي لها لدى الجهات المختصة كبراءات الاختراع.
أما الدكتور محمد الطريقي أستاذ هندسة تقويم الأعضاء والتأهيل فيقول: إننا بمجمل ما نتحدث في هذه المراحل نصيب في العمق العملية التنموية بدائرتيها الداخلية والخارجية، فالمنتج الوطني المتحصل من الابتكار يؤسس لتنمية داخلية تساهم في تفعيل الارتقاء بمفاهيم الصناعة الوطنية وما يستتبعها من مقومات العمل والتوطين والتطوير والتحديث، كما أنه على صعيد التنمية الخارجية في هذا الإطار فإن هناك ما يستدعي حجز مقعد لأي دولة من دول الابتكار إن صح التعبير في نادي القوى الاقتصادية العالمية، وهو بالضرورة تأطير لخدمة التنمية العالمية التي هي مدعاة السلام للبشرية.
استثمار الابتكارات ويعود الدكتور المطوع ليؤكد على أهمية الابتكارات في خدمة التنمية وحل مشاكل المجتمع بما يسهم في مسيرته التنموية والنهضوية ويقول: التنمية هي إنماء المحيط الحضري للبشر فإذا اكتشف النفط في منطقة صحراوية مدت الطرق وأقيمت مناطق سكنية ومستشفيات بمعنى إمكانية بناء حضارة في وقت سريع ومن هنا فلابد من ابتكارات متواصلة ومتجددة ومستمرة إذا كانت هناك رغبة في اللحاق بركب التنمية.
ويزيد المطوع أن الهاتف الجوال في بداية ظهوره كان يتسم بالخصوصية والسرية وكان استخدامه شبه عسكري لكن بعد التطوير والابتكار تحول إلى منتج سهل ومنخفض التكاليف مما أدى إلى انتشاره (الابتكارات وتسجيلها وتوثيقها مهمة بالنسبة للحياة وفي المستقبل سيصفنا أبناؤنا بأننا كنا تعيش حياة قاسية بعد أن تصبح أحلام اليوم حقيقة واقعة أمام أجيال الغد).
من جانبه يرى المخترع السعودي المهندس خالد الرشيد أن للابتكارات دوراً فاعلاً في تنمية الاقتصاد في الوطن من خلال حفظ حقوق الملكية الفكرية للجهة الحاضنة للاختراع وللدولة بشكل عام.
وقال الرشيد: إن سبب تقدم أكثر الدول المصنعة وزيادة دخلها ناتج عن حفظ حقوق الملكية الفكرية للابتكارات والاختراعات الخاصة بهم واستشهد باختراعات الأدوية التي تعد أكثر مصادر الدخل في العديد من الدول وأكثر القطاعات نشاطاً من حيث الابتكارات مرجعاً سبب النمو الاقتصادي في تلك البلدان إلى الحفاظ على الحقوق والاهتمام بكل ابتكار جديد ذا جدوى.. ويرى بالتالي أن إهدار الوقت في دراسة الابتكارات والاختراعات من قبل الجهات المسئولة قد يكون سبباً في تضييع الفرصة لاستغلال هذا الابتكار.
وأضاف يجب أن نقلص الأوقات ولا نهدر الكثير في دراستها والتردد في تطبيقها، حيث إن السباق العالمي للتقدم لا يرحم وقد نندم على إضاعة الوقت والتردد في تطبيق الاختراعات والابتكارات وقال: (الوقت هو فارس الرهان في هذه المسألة) مشيراً إلى أن السعودية تحظى بوفرة الدعم المادي بخلاف الدول الأخرى وشدد الرشيد على ضرورة الجرأة في تطبيق الابتكارات وأن نضع احتمالات الفشل أمام أعيننا بلا خشية مثل الدول التي نجحت في اختراعاتها بعد محاولات فاشلة عديدة.
ويعود الدكتور الطريقي إلى الحديث بقوله: إن للابتكارات دوراً في حل معضلات كثيرة في مجالات الصناعة والزراعة والتجارة وغير ذلك من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية مثل حل مشاكل الإنتاج وترشيد تكاليفه وتحسين نوعية المنتجات وتقليص الفاقد من عمليات الإنتاج إلى جانب ابتكار تقنيات ونظم إنتاجية تساعد على استخدام مواد أكثر وفرة وأرخص سعراً.
وفي هذا الجانب طالب الطريقي بتفعيل تطبيق الابتكارات على أرض الواقع بالآليات المناسبة وقال: من الإنصاف أن أقدر رعاية الموهوبين في بلادنا، ولكن من الإنصاف أيضاً أن نطالب بتفعيل الذراع التطبيقي واستثمار المنتوج الإبداعي لضمان مردود تنموي على الوطن في هذا الإطار، كما يهمني التأكيد على أن الابتكار الذي لا يغادر طاولات العرض أو صفحات الإعلام لا يمكن له أن يكون ذا مردود تنموي، بل هو مدعاة لرد فعل سلبي باتجاه الإحباط، لذا وجب التنبيه إلى قيمة الاستثمار في الابتكار ونواتجه التنموية التي يمكن أن تحقق الكثير الكثير.
بينما يرى الرشيد من جديد أن هنالك ثمة مشكلة في إتاحة الفرصة أمام المبدعين للانطلاق حيث إن المبدأ الراسخ لدى البعض الذي يربط الموهبة بالدرجة العلمية بات عائقاً كبيراً يواجه المبدعين وأشار إلى الكثير من المبدعين لا يحظون بشهادات علمية ودرجات دراسية عالية إلا أنهم مصادر إبداعية منتجة وبفعالية مشدداً على أهمية استبعاد الربط بين الشهادة والإبداع للحصول على أفضل النتائج.
ويؤكد أن الابتكار حصيلة ونتاج لمنهجية العلم والفكر والمعرفة وهذا يعني أن المناخ الملائم للابتكار هو المناخ القائم على التقدم العلمي، والرقي الفكري، ضمن منظومة مؤسسات دولة المعرفة، والابتكار باعتباره جهداً إبداعياً قد يتهيأ بفضل المرجعيات العلمية وأسس المعرفة والتجربة، وهذا قد يكون نتيجة حتمية للنظام التعليمي إذا ما التقى بأدوات المعرفة أو عربات التجربة في ظلال الإبداع، ولكن هذا بمجمله يعد مرحلة أولى أساسية وتأهيلية لا تتعدى الحد التنظيري إذا لم يمر هذا الابتكار بمرحلته الناضجة وهي مرحلة الاستثمار بذراعيها التحويلي والاتصالي.
أساس التنمية
الدكتور رجب كمال الأستاذ المساعد في كلية الهندسة جامعة الملك سعود قسم الهندسة الصناعية يؤكد أن الابتكارات تعد من الأسس الرئيسية في عملية التنمية والتطوير في شتّى المجالات سواء كانت صناعية, أو زراعية أو اقتصادية, أو تجارية, أو بشرية معللاً ذلك بأن بعضا من النظريات العلمية تكون مبنية على هذه الابتكارات التي من شأنها -في حال تطبيقها- إحداث عملية التنمية والتطوير.
ومن الأمثلة التي يذكرها في هذا السياق الابتكارات التي تشهدها تكنولوجيا الحاسب الآلي والمعلومات (التي كانت سبباً في إحداث التطوير ودفع عجلة التنمية في المجالات المختلفة سواء صناعية أو اقتصادية أو غيرها من المجالات).
ويتطرق الدكتور رجب كمال إلى مجال التنمية البشرية ليؤكد أن الابتكارات في طرق التدريس والتعليم وكذلك التدريب واستخدام الأساليب الحديثة المعتمدة على التطور التكنولوجي أدت (إلى طفرة هائلة في إيجاد العنصر البشري الفعال -الذي يعد من أهم أسس التنمية- في المجالات المختلفة).
تنمية المواهب
ويربط الدكتور رجب كمال بين التنمية ورعاية الموهبة قائلاً: تقوم الأمم التي تحرص على أن تكون في مصاف الدول المتقدمة على رعاية الموهوبين والمبدعين سواء بإنشاء مراكز خاصة لهم أو تزويدهم بالدعم المادي والمعنوي, وتقوم بتكريمهم وتوفير كل احتياجاتهم باعتبارهم من الركائز القوية في عملية التنمية والتطوير.