Al Jazirah NewsPaper Saturday  08/03/2008 G Issue 12945
السبت 30 صفر 1429   العدد  12945
رؤية اقتصادية
التضخم وأزمة الدقيق 2/2
فضل بن سعد البوعينين

بعد أن تحدثت في المقالة السابقة عن التضخم وغلاء الأسعار، أكمل اليوم بأزمة الدقيق التي بدأت في الغربية ثم انتشرت في جميع مناطق المملكة، وآخرها المنطقة الشرقية التي عانت كثيراً بسبب نقص الإمدادات.

وأذكِّر القراء الكرام بأنني أشرت إلى أسباب الأزمة الرئيسة قبل بيان وزارة الزراعة المبني على التحقيقات الميدانية.

أزمة الدقيق كشفت عن أسلوب الإدارة المطبق في بعض الوزارات والمؤسسات الحكومية، إضافة إلى أساليب التعامل مع الأزمات الطارئة، وهي أساليب لا يمكن التعايش معها في مثل هذه الأوضاع الحرجة. أزمة الدقيق ونفاد الرغيف من الأسواق كان من الممكن حلها في أيام معدودة طالما أن الدقيق متوفر لدى الصوامع، على أساس أن المشكلة تكمن في سوء تنظيم توزيعه على المستحقين. كان من الممكن حصر المخابز في المدن عن طريق البلديات، والأمانات وتزويد الصوامع بقائمة البيانات التي يمكن من خلالها توزيع الدقيق أولا على المخابز ومن ثم الموزعين. بهذه الطريقة كان من الممكن تلافي الكثير من السلبيات التي ظهرت بسبب (أزمة الدقيق المفتعلة) التي أشار إليها وزير الزراعة. المشكلة تكمن في أن جهود بعض المسؤولين عادة ما توجه نحو إيجاد الأعذار من خلال إلقاء التهم على الآخرين، بدلا من معالجة الوضع المتفاقم وتقديمه على ما سواه من أمور شكلية لا تسهم في إيجاد الحلول الناجعة للأزمة.

تأمين غذاء الإنسان مقدم على ما سواه من أمور إدارية أخرى، لذا كان من المفترض أن توجه الجهود لتوفير القمح في المخابز أولا ومن ثم البحث والتقصي والتصدي لبيانات التبرئة الإعلامية. عدم التعامل الحذق مع أزمة الدقيق في بداياتها ساعد في وصولها إلى المناطق الأخرى، وأدى إلى إشاعة الفوضى بين المستهلكين، والمخابز التي ساهمت في تنشيط تجارة السوق السوداء التي أدارها بكل حرفية، حفنة من الوافدين وبدعم من بعض الموزعين الذين قدموا مصالحهم الخاصة على مصلحة الوطن.

الغذاء الرئيس، والخبز أحد أساسياته، يجب التعامل معه من مبدأ الأمن الغذائي وتأثيره على المجتمع، كما أن الأمن الإقتصادي هو جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن الشاملة. لذا ربط الله سبحانه بين الغذاء والأمن، وقدم الغذاء على الأمن في قوله تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ. الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}.

إمارات المناطق يفترض أن يكون لها دور فاعل في وضع قائمة بيانات متكاملة لمنتجي الغذاء، وموزعيه في مناطقهم كي يَسهُل عليها التعامل معهم مباشرة في أوقات الأزمات، وتوجيههم التوجيه الأمثل ومن ثم مراقبتهم لضمان استقرار الإمدادات التموينية.

أعود إلى تصريحات معالي وزير الزراعة، ولعلي أذكر معالية بتبرئة المؤسسة العامة لصوامع الغلال من أزمة نفوق الإبل وتسمم الأعلاف، وهي التبرئة التي نقضتها تحقيقات وزارة الداخلية التي أثبتت وجود مركبات (السالينومايسين) في الأعلاف وكان مصدرها صوامع محافظة خميس مشيط !!. أكثر ما استرعى انتباهي في تصريحات الوزير إشارته إلى أن ( أزمة الدقيق مفتعلة )، وهي الجملة التي أعادتني إلى تصريحات مسؤولي المياه الذين صرحوا أيضا بعد أزمة المياه الخانقة بأن الأزمة (نفسية ومفتعلة). تُرى من الذي يفتعل الأزمات في المجتمع السعودي؟، سؤال يفترض أن تكون إجابته واضحة وجلية، متبوعة بالطريقة المثلى التي يجب انتهاجها للقضاء على المخالفين للأنظمة والقوانين؛ وحتى نصل إلى ذلك أعتقد أن على الوزراء والمحافظين تحمل مسؤولية أية أزمة تتعلق بمهامهم الأساسية، مفتعلة كانت أم غير ذلك، فالغاية في تجنيب المواطنين الأزمات، أو على الأقل حسن إدارتها، وتجنيب البلاد والعباد تبعات شرورها.

محافظ المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق المهندس صالح السليمان أكد على أن رفع الدعم الحكومي للشعير بنسبة 71 في المائة (سيحد من شح الدقيق)، وهذا أمر قدره ولي الأمر، حفظه الله، لتحقيق المصلحة العامة وإن كلف ذلك خزينة الدولة الكثير من الأموال التي كان من الممكن توفيرها لو أن سعادة المحافظ نجح في إبعاد البلاد والعباد عن أزمة الدقيق الخانقة التي دارت أحداثها في إحدى دول النفط الغنية المصدرة للقمح!.

كنت تحدثت عن الخزن الإستراتيجي، ولعل الأزمات الحالية تكشف لنا أهمية خزن الغذاء الأساسي بكميات ضخمة تكفي لسد حاجة سكان المملكة لعامين على أقل تقدير، إضافة إلى أهمية إدارة الأزمات التموينية في الظروف الاستثنائية، ولعلنا نعرج على هذه الجزئية في المقالة قادمة.

عود على بدء، فالغلاء.. وما لم تطبق سياسة المحاسبة الصارمة والرادعة فالوضع يوشك أن يذهب إلى أبعد مما يتصوره المتشائمون. ولعلي أختم بتصريحات سمو وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز الشاملة، عن أزمة الغلاء، ففيها من التوجيه الكثير، والتي جاء فيها: ((إن وضعنا أفضل من أية دولة أخرى، ولولا أن هناك ثقة بين المواطن السعودي ورأس المال السعودي لما تحرك في هذه الظروف لأن مقياس الأمن هي الحركة الاقتصادية فإذا كان هناك نمو اقتصادي ونشاط اقتصادي وتنموي يعني أن هناك أمناً، ولولا الأمن ما تحقق كل هذا، وكما هو معروف (رأس المال جبان) ولا يتحرك إلا في بيئة آمنة ونحن نرجو من الإعلام والصحافة بالذات أن تشاركنا مشاركة فاعلة في هذا الأمر كما نطلب من الاقتصاديين ومن رجال الأعمال والباعة الصغار أن يراعوا الله فيما يقدمونه للمواطنين، وأن يأخذوا حقوقهم بعقل وإدراك وعدم استغلال الظروف العالمية برفعهم الأسعار بغير محلها، ويجب أن يعرفوا أن هناك دولة وهناك قيادة تتابع؛ فخادم الحرمين الشريفين دائماً يتابع ويحث الوزراء ولا بد أن تواجه هذه الأمور بقدرة وبعلم وبإدراك لوضع النقاط على الحروف وتصحيح الأخطاء إن وجدت). والله من وراء القصد.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7741 ثم أرسلها إلى الكود 82244



f.albuainain@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد