لأن العرب -شعباً وقيادات- لا تزال تحاصرهم الأوهام، ولا يزال الكثير منهم لا علاقة له بالدراسات وإجراء المقارنات والتعامل مع الحقائق على الأرض، منساقين خلف أوهام تغذيها عواطفهم، فإن الوضع العربي العام يتجه للتراجع.
للنظر إلى الواقع العربي الحالي نظرة تحليلية علمية ناقدة -بعيداً عن عواطف زائفة، متخلصين من أية ارتباطات قطرية أو طائفية- سنقيِّم ما نحن عليه الآن، ونعرض عاماً واحداً للاستشهاد، وعرض نماذج مما شهدته الساحة العربية.. عام واحد منذ عقد قمة الرياض العربية التي استبشر بها جميع العرب لما أظهرته من إعادة لوحدة الكلمة ووحدة الموقف، وبدا أن العرب -بل لنكن أكثر تحديداً- قادة العرب قد عادوا لاعتماد العقل والانكباب على الدارسات المبنية على المعلومات وإجراء المقارنات للوصول إلى الحقيقة، وفعلاً تمخضت القمة العربية في الرياض عن قرارات وشهدت لقاءات مهمة، وحضرها مسؤولون دوليون وإقليميون كبار، ليس فقط القادة العرب الذين حرصوا جميعاً على المشاركة إلا من كانت ظروفهم لا تسمح بذلك، ومع هذا كان تمثيلهم بالشخص الثاني، باستثناء قائد الثورة الليبية الذي لا يعتبر نفسه رئيساً للدولة فغاب هو ودولته.
استبشرت الجماهير العربية بما جرى في الرياض من اجتماعات ولقاءات بين القادة والمسؤولين الدوليين الذين أنجزوا مباحثات مهمة مع بعض القادة العرب الذين تشغل بلدانهم مشاكل وقضايا سببها الاختراق الأجنبي والتعامل العاطفي والانفعالي مع تلك القضايا، ما جعل الأرق يصل للشعب العربي وقادته.
في قمة الرياض -ومن خلال جملة اللقاءات التي شهدت الرياض أثناء القمة وبعدها وقبلها- بذلت القيادة السعودية جهوداً وظفت فيها مكانتها الدولية والسياسية والاقتصادية لاتمام (قمم) صغيرة لمعالجة تلك الأزمات، وأفلحت في تحريك المياه الراكدة ولكن لفترة بسيطة، ليعود العرب إلى عاداتهم السابقة، والابتعاد عن التعامل العلمي الواقعي المبني على الدراسات والمقارنات والقراءة اليقظة للمتغيرات الدولية إلى الأسلوب التقليدي بالاعتماد على العاطفة والاتكاء على الحليف الأجنبي والإقليمي، متخلين عن الحكمة العربية التي يمثلها المثل العربي (ما حك جلدك مثل ظفرك) وكأنهم يتوقعون أن يحارب الآخرون حروبنا العربية.
في عقود الستينيات حتى نهاية الثمانينيات في القرن الماضي كانت أوهامنا وعواطفنا قد أوقعتنا في أحضان متعصبي ودعاة القومية، ومنذ بدايات التسعينيات وامتداداً للعقد الأول من القرن الحادي والعشرين تقودنا أوهامنا وعواطفنا إلى أحضان المتطرفين الطائفيين الذين يريدون تجييش الشباب العربي وتحويل الدول العربية إلى دروع لخدمة كيانات ذات أطماع طائفية، وفق نظرة غيبية تستند إلى العاطفة وبعيدة عن العقل والدراسات والمقارنات، وهكذا تورطنا في معارك خاسرة خدمة لمشروع التوسع الطائفي، وعلى رغم تلك المعارك الخاسرة ونتائجها المدمرة تصور وتطرح لدى الإعلام المروج للأوهام والعواطف .
غداً نحاول استقراء الأحداث وتحليلها.
jaser@al-jazirah.com.sa