Al Jazirah NewsPaper Saturday  08/03/2008 G Issue 12945
السبت 30 صفر 1429   العدد  12945
راؤول كاسترو وإستراتيجية الصين
جورج كاستانيدا

كانت استقالة فيدل كاسترو من اثنين من مناصبه القيادية الثلاثة، وتعيينه لأخيه الأصغر راؤول خليفة له، بمثابة إشارة إلى نهاية عصر... نوعاً ما. لقد خلف راؤول أخاه فيدل في منصب رئيس مجلس الوزراء ومنصب رئيس للدولة، إلا أنه لم يخلفه في منصب أمين أول الحزب الشيوعي الكوبي. في مشهد يذكرنا بأيام مجد الستالينية، حصل راؤول على إذن (البرلمان) الكوبي بالإجماع بالتشاور مع فيدل في كافة القضايا الكبرى.

ما دام فيدل على قيد الحياة - يكتب ويلتقي بكبار الشخصيات الأجنبية، ويدلي بدلوه في كل شيء بداية من الإيثانول إلى الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية - فلسوف يظل كل شيء واضحاً فيما يتصل بأمرين: الأول: أن راؤول لن يكون بوسعه أن يتحرك فيما يتصل بأبسط الإصلاحات الاقتصادية والتنظيمية التي يأمل بشيء من السذاجة أن يتمكن بتطبيقها من إعادة الطعام إلى موائد الشعب الكوبي.

ثانياً: رغم أن ترتيبات الخلافة التي صممها آل كاسترو منذ عدة أعوام تتسم بالاستقرار والوضوح من حيث توقع أبعادها، إلا أن راؤول لن يتمكن من إبدال الحرس القديم بالقيادات الشابة (خليفته في القوات المسلحة يبلغ من العمر 72 عاماً، ونائبه كرئيس يبلغ من العمر 77 عاماً).. إذ إن راؤول الذي يبلغ من العمر 76 عاماً، يكون بهذا قد منح من يختاره، أياً كان، السبق على أقرانه وقت انتقال السلطة، وهو وفيدل لا يتفقان بالضرورة على الشخص الذي ينبغي أن يأتي من بعدهما.

تتلخص إستراتيجية راؤول في اتباع الحل الفيتنامي أو الصيني: الإصلاحات الاقتصادية الداعمة للسوق في ظل استمرار الحكم الشيوعي، مع عدم إحراز أي تقدم فيما يتصل بالديمقراطية أو حقوق الإنسان. وبالنسبة لهؤلاء في الولايات المتحدة الذين كانوا على حق حين استنتجوا أن الحظر التجاري الذي فرض على كوبا لمدة خمسين عاماً لم يكن إيجابياً، فإن هذا يشكل استجابة جزئية جذابة تعزز من الحجة لصالح الاعتدال والتي تزعم أن الإصلاحات الاقتصادية سوف تؤدي إلى التغيير السياسي ذات يوم. أما بالنسبة للبرجماتيين في أمريكا اللاتينية الذين يخشون دوماً من الطابور الخامس في كوبا، فإن هذا يمنحهم السبيل إلى تحقيق المستحيل أو تشجيع التغيير في كوبا دون الذهاب إلى ما هو أبعد مما ينبغي. وبالنسبة لبعض الحكومات الأوروبية، فإن هذا يشكل علاجاً دون تدخل منهم، حيث إنه يضع الكرة في الملعب الأمريكي مباشرة.

بيد أن الطرق الفيتنامية أو الصينية غير مقبولة في أمريكا اللاتينية، التي أحرزت تقدماً هائلاً في تحويل المنجزات في مجال الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان إلى نظام قانوني إقليمي يتخطى السيادة الوطنية أو المبدأ المقدس الخاص بعدم التدخل. فبعد عقود من الانقلابات، والحكم الاستبدادي، والتعذيب، وحالات الاختفاء، نجحت أمريكا اللاتينية اليوم، رغم عدم خلوها من مثل هذه البلايا، في تشييد عدد من الأسوار الحامية القادرة على إحباطها.

إن قبول الاستثناء الكوبي سوف يشكل كبوة هائلة. فما الذي قد يردع أي ديكتاتور وقاتل آخر من أمريكا الوسطى إذا ما حصل الكوبيون على تصريح بالمرور؟ وليس من الحكمة في شيء أن نستشهد بالبرجماتية (النزعة العملية) لتبرير انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة في كوبا فقط لأن الإصلاحات الاقتصادية قد تمنع النزوح الجماعي من كوبا إلى المكسيك وفلوريدا.

تعرضت المكسيك بصورة خاصة لإغراءات العودة إلى شراكتها الماضية مع كوبا، ويبدو أن وزير الخارجية المكسيكي لن يلتقي بالمنشقين المحليين أثناء زيارته القادمة لهافانا، مخالفاً بذلك العادة الراسخة منذ العام 1993م.

ثمة أسباب وجيهة تدعو إلى وضع جدول زمني لعودة كوبا إلى حظيرة الديمقراطية في أمريكا اللاتينية، دون فرض الانتخابات باعتبارها خطوة أولى أو شرط مسبق. الحقيقة أن الانتخابات الحرة النزيهة والاحترام الكامل لحقوق الإنسان من الأمور التي قد تأتي مع نهاية الطريق - إذا ما كانت هذه النهاية واضحة المعالم.

أما غير المقبول في هذا السياق فيتلخص في اللجوء إلى النقيضين المتطرفين جعل التحول الفوري نحو الحكم الديمقراطي شرطاً أساسياً لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة والعودة إلى مجتمع أمريكا اللاتينية، أو إعفاء كوبا من الالتزام بالمبادئ والممارسات الديمقراطية بدعوى أنها مختلفة على نحو أو آخر.

في العام 1953م، أعلن فيدل كاسترو أمام المحكمة، فيما اعتبر الخطاب الأبرز في تاريخ أمريكا اللاتينية السياسي، أن التاريخ سوف يبرئه ذات يوم. الحقيقة أن التاريخ لن يحكم عليه، وعلى السنوات التي تقرب من الخمسين والتي أمضاها في السلطة، إلا حين تتضح النتائج أو حين يتم تقييم الإنجازات الأولية، في مجالات الصحة والتعليم ومكافحة التفاوت بين الناس طبقاً للمعايير الدولية وبنفس القدر من الشفافية الذي تتبناه بقية بلدان المنطقة.

آنذاك سوف نعرف ما إذا كانت هذه المقايضة مجدية على الأقل، حتى ولو كانت غير مقبولة في نظر العديد من الناس العدالة الاجتماعية الحقيقية والتقدم في مقابل الحكم الاستبدادي، والعزلة الدولية، والجدب الثقافي.

* جورج كاستانيدا وزير خارجية المكسيك السابق (2000-2003)، وأستاذ جامعي بارز على مستوى العالم للعلوم السياسية ودراسات أمريكا اللاتينية بجامعة نيويورك .
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2008م. وحصرياً لـ(الجزيرة) في الصحافة السعودية.



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد