أسعدتني الابتسامة الجميلة التي أشرقت على وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وهو يمسك بيد الشيخ محمد عبداللطيف جميل ليعبر له عن تقديره واحترامه للرجال الذين يسهمون في بناء وطنهم بأن جعلوا أموالهم جزءا من التنمية الوطنية. هذا التقدير من خادم الحرمين الشريفين هو رسالة الوطن لكل رجال الأعمال بأن الوطن ليس هو الحكومة وميزانية الدولة فحسب، الوطن هو أرض الجميع وأموال الجميع وطاقات الجميع وأي إسهام هو محل تقدير الأمة بأسرها. فرجل الأعمال الحقيقي ليس مجرد تاجر يجمع المال وإنما هو مدير مؤتمن على جزء من ثروة الوطن يدفع بها للنماء لتصبح جزءا من ازدهار الأمة وتطورها.
هذه اللفتة الكريمة من خادم الحرمين الشريفين مضت إلى ما هو أعمق وأبعد مضت إلى أهل الفكر والأدب بتكريم واحد من أهم رموز الفكر والأدب في تاريخ المملكة العربية السعودية الشيخ الراحل عبدالعزيز التويجري. كانت لمسة وفاء عكست العلاقة التاريخية التي جمعت الملك العظيم برجل الدولة الوفي عبر طريق طويل حفت جنباته بالإخلاص والصدق والصراحة.
في جلسة بعيد وفاة الشيخ عبدالعزيز التويجري قال أحد الجلوس سنبقى طويلاً لنظفر بتعريف يمكن أن يحدد شخصية التويجري هل هو الأديب أم رجل الدولة أم المؤرخ. مضت الأيام لأقرأ في كتاب الأستاذ حسن العلوي (عبدالعزيز التويجري الروح الجامعة) أول محاولة تكشف لي ظاهرة التنوع في شخصية الراحل الكبير. يقول العلوي: التويجري مواطن سعودي أولاً وآخراً. يتشكل في الحاضر على صورة مؤسسة شاسعة الأصقاع أثارتني كلمة مؤسسة. إنها أفضل مقاربة نبدأ بها لنصل إلى هذه الشخصية الفريدة. لابد أن هناك شيئا ما في شخصية التويجري يعلو هذه التعريفات. (رجل دولة أديب سياسي). شيء واحد يضعها في سياق مفهوم ويضع لها مفهوما مؤسسيا ترتاح فيه كل هذه المفاهيم المتنوعة. في كل مرة أتأمل فيما أقرأه من مؤلفاته وما يكتبه الآخرون عنه أشعر أن هناك شيئا لم يقل بعد. هناك تيار خفي يضع مثل هذه التعريفات المتعددة في سياق واحد. لا يمكن كشفه إلا بكشف الجانب الفكري من خلال قراءة لمذكراته (الفكرية) التي أظن أنه كتبها ولم تنشر بعد أو سيكتبها أحد أبنائه. في كثير من آثاره الأدبية يمكن تحسس هذا التيار الذي يقفز بك من الجانب الجمالي في النص والتجربة الإنسانية المعاشة إلى جانب غامض يتصل بالموقف من الحياة. شيء ما أرفع من السياسة والأدب والتاريخ. شيء على اتصال مباشر بالوجود. ما بين كل سطر وسطر من كتاباته أقرأ ومضات مثيرة تخرجني من تأملي الجمالي إلى تأمل أبعد وأخطر تذكرني بالومضات التي تقرأها في كتب المفكرين الغربيين الباحثين عن انسجام في الوجود يغطي أو يفسر الفوضى الظاهرة. انسجام فوق مستوى التصارع اليومي وحتى قلق الموت.
لا يأتي تكريم المليك لهذا الرجل لمجرد أننا أمام رجل دولة أو مؤرخ أو أديب هناك شيء يراه ويعرفه عبدالله بن عبدالعزيز وهو الذي اصطفاه صديقاً ومستشاراً ومؤتمناً.
فاكس: 4702164
Yara.bakeet@gmail.com