Al Jazirah NewsPaper Thursday  06/03/2008 G Issue 12943
الخميس 28 صفر 1429   العدد  12943
بعد اختياره ( مكرما) في الجنادرية
المصداقية أنصفت تجربة الفارسي

بقلم - سلطان الجهني

سعدت كثيراً وأنا أقرأ خبر إعلان مدير عام المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية)، عن تكريم بعض الصحفيين المميزين خلال فعاليات المهرجان، وكان أحد هذه الأسماء الصحافي المعروف عبدالله الفارسي رئيس القسم الشعبي بجريدة المدينة، وسبب هذه السعادة التي غمرتني بعد قراءتي لهذا الخبر، هو الإحساس بأهمية هذه الخطوة في تكريم المبدعين في كل المجالات، ولاسيما العمل الصحفي منها، وإذا ما تحدثنا عن وسطنا الشعبي على وجه الخصوص، فإن هذا الوسط غالباً ما يلتفت إلى الشاعر إلا أنه قل أن ينصف المحرر في الصحافة الشعبية على الرغم من الجهود الكبيرة التي يبذلها المحرر الشعبي، والذي يواجه الكثير من المتاعب في بعض الأحيان، أو حتى الاتهامات في أحايين أخر، وحقيقة أني أعتبر تكريم عبدالله الفارسي تكريماً للصحافة المتزنة والطرح العقلاني في شخصه الحكيم، فالفارسي الذي التحق بالعمل الصحفي في أواخر التسعينيات الميلادية شكل أنموذجاً مغايراً للتعامل مع الأدب الشعبي، بل أجزم أنه لكون مدرسة صحفية ارتبطت بأسلوبه الموضوعي في التعامل مع الأدب الشعبي كمنتج أدبي إنساني يسمو بالنفس المرهفة إلى أروع المعاني وأبلغ الصور؛ لذا تمرد أبو وليد على النهج التقليدي للصحافة الشعبية، ونفض الغبار عن الأبجديات الرتيبة لمجرد صف النصوص، فعمل بنهج صحفي مهني متقن، كفل له التغريد خارج السرب، ولا ريب أنه استفاد من خبرات من سبقوه بالعمل في الصحافة الشعبية إلا أن الجميل فيه أنه لا يأتي كامتداد لأحد بل بدأ من حيث انتهى الآخرون، لذا لم يكن مستغرباً أن تكون الصفحات التي يشرف عليها عبدالله الفارسي بجريدة المدينة منبراً إعلامياً لبث الوعي في كيفية التعاطي مع الأدب الشعبي، ومدرسة صحفية في تصدير النجوم، ولكنهم نجوم الشعر والكلمة حقيقية، لا كما تفعل بعض المطبوعات في صناعة النجوم الآفلة، ولم يكن الفارسي لينجح بذلك؛ لولا أنه جعل لصفحاته الجميلة أرضية صلبة من المصداقية، ولعمله الصحفي رصانة وموضوعية، منحته فرصة التهيئة لبيئة خصبة وجميلة لاحتضان الإبداع الشعري وتنميته والاهتمام به، وللأمانة فإن عبدالله الفارسي ومن خلال معرفتي التامة به، وعلاقة العمل الصحفي التي جمعتنا معاً أدرك تماماً أنه يحمل حساً شعرياً رفيعاً، وذائقة نقدية أصيلة تنم عن خبرة كبيرة في قراءة النصوص والإبحار بين كوامنها، وهذا الحس النقدي الذي تولد لدى الفارسي لم يأتِ من فراغ، فالرجل عهد على نفسه أن يتعامل مع النص كمنتج إبداعي فقط بغض النظر عن الشاعر، فالاسم لا يكون بأهمية النص، وكثيراً ما نشر الفارسي نصوصاً لشعراء لا يعرفهم على الصعيد الشخصي بل لأنه وجد في نصوصهم ما يحفزه على الاحتفاء بشعر متمرد على روتين الكتابة بطابعها الرتيب، فالفارسي دائماً ما يبحث عن الشعر، يبحث عنه في جزالته وتراكيبه وصوره ومعانيه، وحينما يجده فإنه ينصفه ويحتفي به، يفعل كل ذلك دون أن يعير لصحافة الإثارة بالاً، ذلك أنه يدرك تماماً في قرارة نفسه أنه لن يدوم إلا العمل الإبداعي، وأن الأسماء المصنوعة لابد وأن تسقط يوما ما وبلا رجعة، ولا أخفي أني ترددت في كتابة هذه المقالة عن قامة صحفية بحجم عبدالله الفارسي؛ وذلك لأن شهادتي فيه بحكم مجروحة لكوني تشرفت بالعمل معه،كما أني خشيت ألا أنصفه تحت تأثير العلاقة العاطفية الإنسانية التي تجمعني به كأخ وصديق عزيز إلا أني توصلت إلى أنه من الظلم أن أحجب حقائق عايشتها بنفسي تحت ذريعة هذه القاعدة غير المنصفة في الكثير من الأيان، ولاسيما وأن العمل مع الشخص يجعلك أكثر قربا منه، وأدرى من غيرك بمنهجيته في العمل الصحفي، ولعله من المناسب هنا أن أورد مثالاً رائعاً، ودرساً جميلاً تعلمته من هذا الصحافي المخضرم في عملي معه، فأذكر أن عبدالله الفارسي طلب مني إعداد أسئلة لحوار مع الشاعر والصحافي نايف العتيبي، وكان يوصيني على إتقان إعداد هذه الأسئلة موضحاً سبب ذلك بأن هذا الحوار سيقدم لصحافي اتسمت رحلته بالصحافية الشعبية بالمهنية، وكانت هذه القاعدة من أفضل ما تعلمتها من عبدالله الفارسي، فهو لو يوصيني على هذا الحوار لكون الرجل صديقه - مع أنه كذلك بالنسبة له - ولا لمصلحة معينة أو هدف آخر، وإنما لكونه رجلا مهنيا خدم الصحافة الشعبية فتعلمت من الفارسي أن التعامل مع الشخوص يكون بحجم العطاءات والأعمال الإبداعية، هنا فقط أدركت سر العلاقات الإنسانية الكبيرة التي أسسها الفارسي مع كل من حوله، فهو قلب يضخ الحب في كل جهات الشعر، دون أن يخسر مصداقيته.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد