لمعت فكرةٌ ذكيةٌ في عقل مواطن أمريكي كان محتاراً حول كيفية الحصول على مردود مالي كبير عن طريق التخلص من كوخه الصغير الذي زهد به ولم يعد يحتاج إليه، خاصةً أنه يقع على طرف إحدى بحيرات الغابة البعيدة عن مركز المدينة، حيث تتلخص الفكرة بنشر (إعلان تسويقي)
في إحدى الصحف يدعو فيه سكان الولاية وقراء الصحيفة في أنحاء أمريكا إلى امتلاك الكوخ ب(دولار فقط)، بطريقة القرعة الجماعية لكل الراغبين فيه، فمن أراد المشاركة في هذا المزاد الغريب، ما عليه إلا إرسال المبلغ (الدولار)، وانتظار نتيجة السحب ومعرفة النتيجة، مع مراعاة أن المبالغ المرسلة لا تُسترد لكل الذين لم يحالفهم الفوز، وقد صيغ الإعلان بطريقة قانونية تحمي صاحب الكوخ والصحيفة من أية مطالبات قضائية، ونُشر بطريقة احترافية تجعل المتلقي (ينخدع)، عندما يكون تحت ضغط نفسي بين محفزات المشاركة، فنفسه تغريه وعقله يبرر له أن المبلغ المدفوع مجرد (دولار)، فإن فزت بالقرعة ربحت كوخاً بآلاف الدولارات، وإن فاز غيرك فأنت لم تخسر إلا دولاراً واحداً.
وبالفعل انتشر خبر الإعلان في أرجاء المدينة ثم الولاية إلى أن تجاوزها إلى ولايات أمريكية أخرى، ونجح في جذب الناس لمصيدة بيع الكوخ، فانهمرت الرسائل المليئة بالمبالغ كمطر السماء، حتى صارت سيلاً متدفقاً من الدولارات، لدرجة أن صاحب الكوخ خصص لها حساباً بنكياً تجاوز حاجز المليون دولار في الأيام الأولى من استقبال المشاركات، وبعد نهاية المدة المحددة للبيع، أُجريت القرعة بحضور المسؤولين في الصحيفة ومكتب محاماة، حيث فاز بالكوخ أحد سكان المدينة، الذي ربح كوخاً جميلاً يطل على بحيرة بقيمة دولار واحد فقط، في المقابل نجح صاحب الكوخ في بيع كوخه بأكثر من مليون دولار وهو لا يساوي خُمس هذا المبلغ.
مسابقة (بيع الكوخ) يمكن أن تكون نظرية اقتصادية جهنمية ابتكرتها العقلية الرأسمالية المتحررة من القيم الإنسانية والمعتمدة على قانون يقول: (المصلحة تحكم والسوق يقبل)، وهي طريقة تجارية تستخدم على نطاق واسع لأنها تقوم على المشاركة بالمبالغ الصغيرة والخدع النفسية بالدرجة الأولى، لهذا فكثير من القنوات الفضائية أو مسابقات السلع الاستهلاكية، أو شركات الحظ المقامر (اليانصيب) تستخدمها في (نهب) جيوب المستهلكين وهم يبتسمون، بل ويتسابقون بشراهة نحو المصيدة المالية عن رضى وطيب خاطر، خصوصاً القنوات الفضائية على اعتبار أن اليانصيب ومسابقات السلع ليست ملازمة للفرد كما هو التلفزيون الذي تجده في المنزل والمكتب والمقهى والسيارة أيضاً، وهذا ما تفعله القنوات الفضائية مستخدمةً كل وسائل التقنية من اتصالات الهاتف أو رسائل جوال أو وسائط إنترنت، في استقطاب كثير من الناس وبالذات المراهقين، الذين يتسمرون أمام شاشات تلك القنوات، ويطيرون في غباء محموم على أثير الفضاء المفتوح لإرسال رسالة جوال ب(كلمة)، تمكنهم من الدخول في سحب على مبلغ كبير يصل إلى مليون ريال أو أكثر، لأن إرسال الكلمة لا يكلف شيئاً، فقد تكون التكلفة ريالاً أو خمسة ريالات أو أكثر أو أقل من ذلك، ولكن ماذا يعني هذا مقابل الفوز بمليون ريال - هكذا تحدثه نفسه الطماعة - خاصةً أننا نبدد أموالنا في أشياء تافهة أكثر بكثير من تكلفة إرسال كلمة، وهو بهذا يقع في دائرة التبرير الخطيرة، التي تستنزف ماله في ملاحقة سراب على شاشة تتلقى ملايين الرسائل، كي تبيع الكوخ على أحد المشاهدين بالفوز بمليون ريال جاءته من جيوب المشاهدين المغفلين، بينما تستأثر هي وشركة الاتصالات صاحبة خدمة الرسائل الجوالة بملايين الريالات.. فقبل أيام أطلقت إحدى القنوات الفضائية العربية (الشهيرة) دعاية عن المشاركة في (مسابقة جديدة) ذات جوائز مالية ضخمة، ليست مليون ريال واحداً أو حتى اثنين.. بل (عشرة ملايين ريال)، والمطلوب أن ترسل كلمة تم تحديدها في الدعاية، من خلال رسالة جوال عن طريق شركة الاتصال الذي تستخدمها في بلدك، فربما تفوز ب(الكوخ الفضائي) في زمن البحث عن القرش الأبيض ليوم الغلاء الأسود.
Kanaan999@hotmail.com