Al Jazirah NewsPaper Thursday  06/03/2008 G Issue 12943
الخميس 28 صفر 1429   العدد  12943
هسيس الصمت في حناجر نساء على امتداد الوطن العربي
د. فوزية أبو خالد

لقد فتح لي عالم الإنترنيت فضاء وأعطاني أجنحة جعلتني أتحدى عالم الإعاقة الحركية الذي عانيت منه منذ الطفولة، وأحلق كطائر حر في شتى أنحاء المعمورة. فهاأنذا أنشئ موقعاً إلكترونيا أتبادل فيه أنا وأصدقاء من مختلف أنحاء البلاد العربية والعالم صداقات بلا حدود وخبرات لا تحد في مواجهة الإعاقة، وفي تحويلها من قيد إلى وسام يشير إلى قدرة البشر على تطوير طاقاتهم واكتشاف ملكات لم يكونوا ليكتشفوها في أنفسهم،

ويكتشفها فيهم من حولهم لولا نعمة التحدي والصبر. إنني من خلال موقعي صرت أخرج من بيتي في أي وقت أشاء وأقابل من أشاء، وأخطط لما أشاء من المشاريع والأحلام. وعن طريق الإنترنيت استطعت أن أراسل الكثير من المسؤولين، بل والوزراء في بلادي وأقنعهم بمطالب تُحسن من الظرف المعيشي لأولئك الذين يواجهون تحدي الإعاقة من النساء والرجال.

حنان

لم أكن أعلم بأنني حامل بطفلنا الثاني عندما أوقع علي يمين الطلاق الثالثة. قال لي إنني إذا لم أقطع زيارتي لأهلي في الرياض وأعود إلى مقر الزوجية ذلك المساء أكون طالقا. كانت حياتنا لا تخلو من عواصف الأعوام الأولى في التكيف مع واقع الزواج. بالنسبة لي كان التحول من حريات، ودلال حياة البنات إلى حياة الزوجية والأمومة. وبالنسبة له كان التخلي عن طياش الأربعين التي عاش نصفها في الخارج مع محاولة استرداد هيبة العادات والتقاليد لصورته الجديدة كزوج وأب وموظف كبير بالدولة. لم يكن هناك حجز تلك الليلة فوقع الطلاق.

قبل إتمام إجراءات الطلاق علمت وأعلمته وكذلك أعلمت القاضي الذي كانت لديه القضية بحملي. إلا أن المحكمة عندما سلمتني وثيقة الطلاق. وعندما سألت ما الذي يتعين علي فعله في مسألة الأطفال كان كل ما قيل لي إنه عليَّ أن أعيش في نفس مقر الزوج، وألا أتزوج بعد انقضاء عدتي بوضع حملي لتحق لي حضانة الأطفال إلى حين بلوغهم سن السابعة، ومن ثم تعود الحضانة لوالدهم وإن كان قد تزوج. ولأنني امرأة محظوظة فقد أستأجرت لي أسرتي شقة مفروشة وتحمل أحد محارمي مشقة الانتقال ليعيش معي ريثما أضع حملي وأرتب أموري بشكل أكثر استقراراً حسب الوضع الجديد. وكل ما يناله أطفالي من (معيشتنا) في نفس مقر والدهما للسنة الرابعة هو بعض حلوى القطن والآيسكريم التي يشتريها لهما عندما يطلبهما في زيارات متباعدة له. أما أنا فأعيش كوابيس انتزاع أطفالي من حضني في أي لحظة بعد انتهاء سن الحضانة المقرر بسبع سنوات للولد وتسع سنوات للبنت في بلدي.

سارة

بعد مدة من وفاة زوجي رفع عليَّ إخوته الذكور دعوى بضم ابني الوحيد إليهم، وكنت على وشك أن أعقد على واحد من أبناء الحلال الذين تقدموا لي فعدلت عن الفكرة. ووسطت أهل الخير بيني وبين أعمامه علهم يسحبوا دعواهم خشية أن يأخذوا ابني مني خاصة وأنه لايزال طفلاً صغيراً في الخامسة من العمر. علماً أن عمومته قد استحوذوا على جميع ميراث زوجي، ولم يعطوني أو يعطوا الطفل شيئاً منه، إلا أنهم يرسلون لطفلي مبلغاً شهرياً مجزياً لإعالته. وفي دعواهم ضدي لم يذكروا أنهم يريدون سحب ابني مني بسبب نيتي الزواج لأن أمي ستكون حاضنته في هذه الحالة، ولكنهم قالوا إنهم يفعلون ذلك بدعوى حرصهم على تربية الطفل تربية رجولية إذ إنهم كما ادَّعوا في صحيفة الدعوى لا يثقون بأن تربي ابنهم الذكر امرأة، وفي أسرته رجال هم الأقدر على تربية الرجال، وبالتالي فهم في رأيهم أولى بتربية الطفل من أمه.

سارة

وضعي لا يختلف كثيراً عن تلك المشكلة المتكررة التي طالما تكتب عنها الصحف دون أن يكون هناك بادرة حل حقيقي للموضوع. فقد مضى على تخرجي من الجامعة وعملي في أحد القطاعات الحكومية ما يقارب اثني عشر عاماً إلا أنني لازلتُ في نظر أسرتي تلك البنت الصغيرة طالما أنني لم أتزوج، وبالتالي فليس لها أن تتصرف بمالها أو بنفسها، بل عليها أن تسلم مرتبها لذكور الأسرة ليشغلوه لها، وليس لها منه إلا مصروف جيبها. خاصة وأن الأسرة تكفل لها مستوى معيشياً جيداً. أريد أن أكمل تعليمي بالخارج فلا أستطيع. أفكر في مبادرة عمل تجاري خاص بي فلا أدري من أين أبدأ وليس لي أدنى خبرة، وماهو نوع العقبات التي ستواجهني؟ هل هي فقط عقبتي مع أسرتي أم هناك عقبات قانونية أو شرعية أخرى؟! لا أدري ولا أعلم مَنْ أستشير!.

ميسر

بعد كفاح 15 خمسة عشر عاماً في الغربة عدت وزوجي وأبنائي إلى بلدنا، واستطعنا بما جمعناه من مدخرات حياة التقشف التي كنا نحياها في تلك الدولة النفطية الشقيقة بناء بيت جديد جميل. أثثته قطعة قطعة بخيالي ومالي معا ليس لأنني كنت أعمل، ولكن لأنني كنت أحرم نفسي وأطفالي من أبسط الضروريات لأقتصد في المصروفات لهذا اليوم. وكان أشد ما يسعدني هو أن يجد أطفالنا الأربعة فسحة ليلعبوا فيها بالحديقة غير ممرات الشقة الصغيرة التي ولدتهم فيها في البلد البعيد بعيداً عن أي معين أو قريب. كان انغماسي في التربية وأعباء شغل البيت في غياب زوجي لساعات طويلة في العمل وتقشفنا المعيشي قد ترك لي القليل من فتات الوقت للاهتمام بنفسي بما فيها قوامي ونضارتي وزينتي. وهذا - على ما يبدو- مما لم يعد يليق بمقام ذوق زوجي ومعارفه وجيراننا الجدد في بيتنا الجديد، وبخاصة أنه (زوجي) قد تحول بعد عودتنا من أجير إلى مقاول كبير. كنت أستشعر ذلك من نظرات زوجي وتنهيداته أمام الشاشة الفضائية. التحقت بأحد نوادي الرياضية لعل وعسى ولكني كنت أعود لأجده على الهاتف. وقبل أن أستوعب الموقف علمت أنه قام بالعقد على ابنة أحد المقاولين الكبار. وليته اكتفى بذلك فبمجرد أن واجهته أخبرني أنه يتعين عليَّ ترك البيت أيضا، والانتقال لشقة صغيرة قام باستئجارها لي ولأطفاله لأنه قدم الفيلا كمهر للعروس الجديدة. وحين أبديت مقاومة انتهز أول فرصة لغيابي وقام بتغيير أقفال المنزل. انتقلت وأولادي لنعيش مع أسرتي دون أن نتمكن من أخذ أي شيء من ممتلكاتنا، ولا حتى حقائبهم المدرسية. لم يسأل عني أو عنهم حتى بعد مضي سنتين من زواجه الجديد في البيت الجديد. وعندما فاض بي الكيل وتقدمت للمحكمة لم يحكم لي بطبيعة الحال بأخذ قِدْر أو منشفة من الأثاث الذي كنت قد اشتريته بحُرّ مالي، بل عرض عليّ للخلع من زوجي - إن كنت مصرة على الطلاق- وذلك بأن أرد له مهره الذي أعطاني إياه قبل 17 عاماً. أما الأطفال فقد حكم القاضي لهم بنفقة شهرية نادراً ما كانت تصلنا.. اللهم إلا في الأعياد.

حصة

توفي والدي وتركنا ثلاث بنات وولداً واحداً. كان أصغرنا. تعاضدنا على رعايته و تربيته. فلما اشتد عوده رأينا أنه حان الوقت لكل منا أن تشق طريقها الخاص في الحياة. ولكن الأخ العزيز يسخر من رغبتنا الشرعية في إكمال ديننا وخاصة أختنا الكبرى، ويرى أننا عوانس، علينا أن نستحي من التلميح أو التصريح بهذ الحق المشروع.

ريمة

تقدم لخطبة إحدى بناتي ابن عمتها وهي في الرابعة عشرة، فجاء والدها يستأذنها وهو لا يخفي سعادته، بينما لم تنبث البنت ببنت شفة حتى انصرف أبوها فانخرطت في البكاء. تركتها وانصرفت، ولكن لما تكررت مشاهد البكاء كلما خلت إلى نفسها, سألتها: هل بكاؤها فرحة أو توجساً أو احتجاجاً؟! فصارحتني أنها تميل للخاطب إلا أنها تريد أن تكمل تعليمها. قلت لها: بسيطة، نطلب من والدك أن يشرط عليه في عقد القران أن تكملي تعليمك إلى الدرجة العلمية التي تريدين بلوغها، وكان اقتراحي هذا قبل ثلاثين عاما من الآن. على أن البنت قالت وإن لم يوافق قلت لها حينها يكون عليك أن توازني بين ما تعتبرينه أولويات. غير أن الشاب لم يوافق على أن يسجل عليه شرط أياً كان في العقد. فقررت البنت أن لا تقبل بالزواج. وجاءت تطلب مني أن أنقل موقفها لوالدها, فلم أقبل أن أفعل ذلك نيابة عنها، وقلتُ لها هذا موضوع يخصك ويجب أن تواجهي حلَّه مع والدك بنفسك إن كنت واثقة ومتمسكة بموقفك. قالت: أتحرج أن أقول (لا) لأبي أخشى أن (يزعل) مني. قلت لها: هذا شأنك. ولكن إذا لم تملكي شجاعة أن تقولي (لا) لأبيك في تقرير مصيرك بما يحمله لك أبوك من عاطفة التعاطف والحب فإنك لن تتمكني من أن تقوليها فيما لو احتجت أن تقوليها في مواضع قد تجر عليك الكثير من الملامات. فلتحمل مسؤولية اختيارنا قد نحتاج في مشوار الحياة الكثير من اللاءات التي يجب ألا نستحي منها إذا كانت في حق أو للمطالبة بحق.. وابنتي الآن دكتورة ونشطة في مجال حقوق المرأة والإنسان ولم أعلم أنني بذلك الموقف البسيط كنت أعدها لزمان غير زماننا إلا حين تمطرني حفيدتي بسيل الأسئلة.

نورة

من قال إن المرأة نصيرة المرأة. إنني حقا أكره أن تكون رئيستي امرأة وأفضل أن يرأسني رجل. إن مديرتي تطلع فيَّ وفي زميلاتي كل عقد الاضطهاد التي يبدو أنها مرت بها؛ فهي لا تقدر التفاني في العمل ولا تتعاطف مع ظرف طارئ، وتمنع عنا مستحقاتنا من العلاوات. وقد كنت أظن أن هذا هو حال تلك المرأة وحدها إلى أن جمعتني لأكثر من مرة جلسة بعدد من النساء أكدن فيها ظلم المرأة للمرأة عندما تكون في موقع سلطة، ويبدأ الأمر من دور المرأة كحماة.

صبيا

أنا الآن فيما يسمى عمر الزهور؛ حيث لا يتجاوز عمري التاسعة عشرة، ومع ذلك فإنني لا أرى من هذه الزهور إلا ذبولها اليومي. أعود من عملي كمربية أطفال في إحدى الحضانات غير البعيدة عن منزلي بعد أن لم أستطع الحصول على مقعد بالجامعة نظراً لارتفاع تكاليف التعليم الجامعي لا أشعر بغير التعب والإحباط، وكأنني في التسعين. أنظر إلى الأطفال وأقول: إذا كان هذا مستقبلنا حيث لا نجد فرصة لمواصلة التعليم أو لنعمل عملا نحبه فماذا عساه سيكون مستقبلهم؟!. وبعد عودتي من العمل ليس من عمل إلا أن (أنسطل) أمام التلفزيون أقلب الفضائيات، فأقتات على (ستار أكاديمي). وماشابهه من البرامج، وأحلم ماذا لو كنت أستطيع أن أكون نجمة كواحد منهم. أشاهد أحيانا بعض البرامج الدينية فأود أيضا لو أستطيع أن أنضوي كالشباب في بعض منها. إلا أنني في الحقيقة لا أدري إن كنت حقا أريد أن أنضم لأحدها أو أنني أريد الانتماء، ولا أعرف لمن وبمن وكيف يمكن أن يكون لي انتماء.

ليس هناك مَنْ أتحدث معه في سني إلا شباب أو شابات لست متأكدة من هويتهم على وجه التحديد؛ لأنني لا أعرفهم إلا عن طريق غرف الشات.

رشا

كان حلم حياتي أن أكون طبيبة مختصة في جراحة المخ والأعصاب، وقد تشبثت بهذا الحلم رغم ظروف أسرية شرسة، إلا أنني لم أعلم ما هي الشراسة الحقيقية إلا حين دخلت عالم هذا التخصص المبتغى. فلا يعلم إلا الله كم يعاني الطبيبات ليستطعن فرض وجودهن في هذا الحقل النادر الذي يصر الذكور على أن يبقوا هم العالم المتعالي المغلق الخاص بهم وحدهم دون النصف الآخر من المجتمع. لقد لمست لمس اليد مساندة الرجل للمرأة في وقفة أبي وإخوتي بجانبي، ولكن عندما تأتي على ما يبدو المنافسة في القدرات والتقدير؛ فالأمر يختلف حتى عند أولئك, إن لم يكن بالذات عند أولئك الذين يملكون أعلى الثقافة كما يملكون القدرة على دفع عجلة التغيير إلا أنهم عوضاً عن ذلك يستغلون مواقعهم لتثبيت دعائم النظام الاجتماعي الذي يحافظ على مزاياهم بالتمييز على أساس النوع الاجتماعي. ومع ذلك واصلت ولكنني لا أزال في تخصصي أعامل كالمنبوذة رغم نجاحي المهني.

أريج


لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5148 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد