يُصاب المرءُ بدهشة وحيرة حين يرى كثرة الفنيين الوافدين في مختلف التخصصات لدى الشركات والمؤسسات السعودية، بل إن هذه الشركات والمؤسسات ما زالت تعمل على استخراج التأشيرات من أجل استقدام العمالة الوافدة من الفنيين لملء الوظائف الشاغرة لديها..
وهنا يتبادر سؤال وهو: أين خريجو المعاهد الفنية والكليات التقنية التابعة للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني؟ وهل تم إعدادهم مهارياً وعلمياً بالشكل المطلوب؟ ولماذا تتهرب المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص من توظيفهم؟
لقد أولت الدولة - وفقها الله - التعليم الفني والتدريب المهني اهتمامًا كبيراً؛ حيث أعطت الكثير من الميزانيات بمليارات الريالات؛ من أجل بناء المعاهد الفنية والكليات التقنية المتخصصة وفق المواصفات الدولية المتقدمة؛ سعياً لتخريج كوادر وطنية فنية مؤهلة تسد حاجة القطاعين الحكومي والخاص. ولقد كان أمل الجميع - وما زال - أن تقوم المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بتخريج الآلاف من الكوادر الفنية السعودية القادرة على المساهمة في مشروعات الوطن العملاقة. ولقد كان مبعث أمنيات الجميع وآمالهم المتفائلة هو تصريحات مسؤولي المؤسسة المتنوعة خلال السنوات السابقة - عند افتتاح الكليات الفنية أو مراكز التدريب المهني - التي تؤكد على أن المعاهد والكليات قادرة على تخريج الأكفاء من الفنيين وأن معايير الدراسة في هذه المعاهد هي المعايير الموجودة في أكثر الدول تقدماً في العالم، ولكن - للأسف - تجد الشركات والمؤسسات أنفسها أمام فئة غير مدربة التدريب المطلوب وأمام فئة إنتاجها في أدنى المستويات مقارنة مع إنتاجية ومهارة أي عامل في أي دولة أخرى.
لقد ركزت الدول المتقدمة في الشرق والغرب على مراكز التدريب المهني التي تخرج الكوادر المدربة والمتقنة لعملها؛ وبالتالي استطاعت تحقيق وتنفيذ العديد من مشروعاتها على أيدي أبنائها. إنه لا أحد يستطيع أن يتجاهل ما قام به رجال المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني من جهود جبارة وعمل دؤوب؛ ومن هذا المنطلق فإن المجتمع كان يتمنى أن تكون مخرجات المؤسسة تقارب - على الأقل - مستوى مخرجات المعاهد الفنية في الدول المتقدمة، وكان الجميع يأمل أن يكون الفنيون من الشباب السعودي بمستوى ومهارة وإنتاجية الفنيين في البلاد الآسيوية المتقدمة؛ وذلك نظراً لأن الدولة قد وفرت الميزانيات والإمكانات اللازمة لتخريج كوادر سعودية مدربة بمواصفات عالية ومتقدمة.
ونظراً لأننا أمام واقع لا يحتاج إلى مجاملة وأمام كليات ومعاهد طاردة وغير جاذبة بدليل أن كثيراً من خريجي المرحلة الثانوية يقومون بالتقديم على تلك الكليات والمعاهد بعد فقدهم فرص التقديم في الجامعات، فإنه لا بد من العمل لتكون المؤسسة مؤهلة وقادرة لتوفير الكوادر التي تطلبها المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة، وذلك من خلال تقديم البرامج والدورات المتخصصة المناسبة كماً وكيفاً، ثم إنه لا بد من عمل دراسات ميدانية تشارك بها جهات محايدة لمعرفة مدى ما وفرته المؤسسة من احتياجات السوق من الفنيين المؤهلين. إن الأجيال القادمة لن تسامحنا إذا ما استمررنا بإضاعة الوقت والمال من أجل تخريج فنيين بمهارات متدنية وأداء ضعيف في احتفالات مهيبة وصاخبة في طول البلاد وعرضها!
وأخيراً، فإن الشركات والمؤسسات بانتظار توفير مئات الآلاف من الكفاءات التي تستطيع أن تنافس الفني الوافد، وإلا فإن الجعجعة سوف تستمر ولن نرى الطحين!
أستاذ المناهج المشارك بجامعة الإمام
alelayan@yahoo.com