بدت إسرائيل غير عابئة بالأهوال التي ترتكبها في غزة بل إنها توعدت أهالي القطاع بالمزيد من المجازر رافضة تحديد سقف زمني لما تقوم به، وقد تلقت وهي في غمرة هذا العدوان الواسع النطاق ما يشجعها على الاستمرار قدما في جرائمها، فمجلس الأمن الدولي فضل (من أجل إسباغ الحياد على موقفه) إدانة الجلاد والضحية مرفقا ذلك بعبارة -حق إسرائيل في الدفاع عن النفس-، فيما أعربت الولايات عن تفهمها لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس..!!
ومن الواضح أن العدوان مرشح للتوسع إن لم يكن الآن ففي قادم الأيام، فهناك أضواء خضراء لاستمراره بل والوصول به إلى غاياته العظمى، ولم تكن إسرائيل أصلا بحاجة إلى هذه الإشارات المشجعة، فهي معتادة على التصرف خارج الشرعية الدولية دون أن تخشى من ضغوط أو عقوبات، ولعل ذلك يفسر لماذا لا تهتم إسرائيل بالسلام، فهو على الأرجح سيحرمها الكثير من المزايا المتحققة الآن في ظل هذه الهجمات الوحشية ليل نهار.. ولن يجدي كثيرا أن تعلن السلطة عن تعليق المحادثات مع إسرائيل، فهذه لا تهتم في الأساس بإجراء محادثات من عدمها.
لكن من المهم استيعاب الدرس المتكرر دائما وأبدا أمام الفلسطينيين، والذي يقول بضرورة انصراف جهودهم إلى ترتيب بيتهم الداخلي وتلمس السبل التي من شأنها إعادة الوحدة الوطنية بالطريقة التي من شأنها الحفاظ على قوة الصف الفلسطيني في مواجهة الصلف الإسرائيلي.
ولعل من المفجع أن يتبادل الفلسطينيون الاتهامات والشتائم وسط عويل النساء وصرخات الأطفال فيما تتناثر الأشلاء البشرية في أنحاء غزة بفعل الاعتداءات الإسرائيلية، وذلك بدلا من أن تنتظم الصفوف لوقف العدوان الآثم.
وإذا لم تفلح مثل هذه الكوارث في لمّ الصف الفلسطيني فما الذي يمكن أن يجمع الشمل؟، فالمصيبة النازلة تطول الجميع في الضفة وغزة ولن ينجو أحد من هذه العدوانية الإسرائيلية المتأصلة، ولهذا فإن الأولويات ينبغي أن تنصرف إلى مهام توحيد الجبهة الداخلية وإعادة ترميم ما يمكن ترميمه، فما يجمع بين الفلسطينيين أكثر مما يفرق بينهم، كما أن الرهان على الدعم الدولي للسلام لن يتحقق في ظل غياب العدل من الساحة الدولية؛ حيث ينحاز الكبار إلى إسرائيل حتى وهي غارقة في دماء ضحاياها بغزة.