دخول المال الخاص في الخدمات الأساسية التي تقدم للمواطن.. يحدث دائماً حراكاً إيجابياً شريطة أن يكون تحت حماية الدولة ورقابتها الصارمة وقوانينها الواضحة..
** وفي هذا السياق.. نجد أن مشروع خصخصة التعليم الذي لوحت به وزارة التربية والتعليم مقبول فيما يتعلق بتنوع موارد التعليم التي تشكل ضغطاً اقتصادياً على الدولة.. في ظل التنامي السكاني المتسارع وفي ظل بنية سكانية شابة في مجملها تتطلب ضخاً مالياً كبيراً للتأهيل والتعليم والتثقيف خاصة أن الخريطة السعودية متباينة التضاريس من جبال وأودية وصحار ممتدة تجعل كلفة تعليم التلميذ في هذا التنوع التضاريسي باهظة جداً..
لا اعتراض على فكرة الخصخصة فقد نجحت في تطوير قطاع مثل الاتصالات ومثل المستشفيات ومثل الأسطول الجوي.. ولا شك هي ستخدم المواصلات لو نفذت فيها، حيث الاستثمارات العالية في القطارات ومترو الأنفاق وغيرها..
** لكن التعليم لا يتطور ولا يثمر في المال وحده. فأمريكا تضاعف الصرف على التعليم منذ توالت الصرخات التربوية مدوية ومعلنة عن غياب الإبداع والتميز في المخرجات التعليمية.. وما زالت أمريكا ورغم الصرف الباهظ تعاني من تدهور التعليم لديها وضعف مخرجات التعليم الثانوي.
** التعليم يحتاج إلى تراكم ثقافي ثابت وقيم متوارثة تشكل بناء هرمياً يستطيع من خلال قاعدته العريضة أن يبقى ويصمد ويتطور..
** عانى التعليم في السنوات الماضية من تقلبات وأفكار متعددة متسارعة ويغلب عليها الارتجال.
ونمر الآن بمرحلة استقرار وهدوء وقراءة ممعنة في التجربة وتراكماتها.. فأوروبا المستقرة تعليمياً والمتطورة في مخرجاتها ولا تعمد إلى التغيير لمجرد التغيير الذي لن يقود إلا لمزيد من متوالية البعثرة للجهود والأفكار والتناقضات التي لا تعطي الفرصة السانحة لاختيار جودة الفكرة أو المشروع..
الانبهار بالأفكار الجديدة.. غير المجربة والثابت والمشهود لها بالنجاح.. لا يناسب مجالاً عظيماً مثل التعليم الذي يمثل البوصلة التي يستدل من خلالها النشء والجيل على هويته الدينية والثقافية ويتطلع من خلالها إلى التطور والمساهمة والاستفادة من معطيات الحضارة الإنسانية المشتركة!!
** الخصخصة أمر محمود.. لكنه لن يكون الحل السحري لمشكلات التعليم في السعودية.