منذ شروق شمس الإسلام قبل ألف وأربعمائة سنة وهذه القضية (قضية الأقليات الإسلامية) محور نقاش المهتمين بالشأن الإسلامي سواء من المسلمين أو من غير المسلمين، ونالت من البحث والمراجعة ما يجعلها دوماً في قائمة الاهتمام لدى قادة الفكر والسياسة، وإذا قلنا أقلية إسلامية فليس من الضرورة أنها في عددها ولكنها قلة نسبية بالنسبة للمجتمع أو الدولة التي تعيش فيها. فمثلاً دولة كالهند يبلغ عدد المسلمين فيها ما يربو على ثلاثين مليون مسلم، فالمسألة إذاً نسبية وليست عددية، ولو نظرنا نظرة سريعة إلى القارة الأوروبية لوجدنا أن عدد المسلمين في دولها يزيد عن خمسة وثلاثين مليون مسلم، وكان بدايتها عام 700 ميلادي عندما هاجر عدد من المسلمين التونسيين إلى جزيرة (قوصرة) الواقعة جنوب إيطاليا، فنشروا اللغة العربية والدين الإسلامي في هذه الجزيرة وما لبثت أن أصبحت هذه الجزيرة جزيرة إسلامية فشيدت المساجد وبنيت المدارس وصار أهلها مسلمين خلصاً، وقد تدفقت الهجرات الإسلامية إلى أنحاء كثيرة من أوروبا، ففرنساً مثلاً كان أول أقلية مسلمة هاجرت إليها عام 715 ميلادي وكانت قادمة من الأندلس وذلك بعد الفتح الإسلامي، وقد استقر عدد من المسلمين في مدن فرنسا مثل (ليون) و(الرون) وغيرها، وقد تكون فرنسا من أكثر الدول الأوروبية مهاجراً للمسلمين وخاصة من دول شمال إفريقيا في الحرب العالمية الأولى، واستمر تدفق المسلمين إلى فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، حتى وصل عدد المسلمين في فرنسا الآن ما يزيد على خمسة ملايين مسلم من بينهم مليون مسلم فرنسي، أما هجرة المسلمين إلى النمسا فقد بدأت عام 936 للميلاد، ولو استطردنا في الحديث عن هذه الأقليات لطال بنا المقام، ولكنني أحاول أن ألقي نظرة سريعة على أهمها، فمثلاً بريطانيا التي تعد من الدول الأكثر تواصلاً مع العالم الإسلامي يعد وجود أقلية مسلمة فيها متأخراً كثيراً عن الدول الأخرى، حيث سجل أول وجود أقلية مسلمة بها عام 1287 من الهجرة وذلك عندما هاجر عدد من اليمنيين إلى مدينة (كارديف) ومن خلالهم انتشر الإسلام، وفي اليونان كان وجود أقلية مسلمة بها قبيل نهاية القرن الهجري الأول.
الجدير بالذكر أن بعض هذه الأقليات كان لها دور سياسي بارز وسيطر بعضهم على مقاليد الحكم في نطاق نفوذهم وحولوا هذه الجزر والدول إلى دول إسلامية لكنها لم تدم طويلاً.
إن هذه الأقليات في حقيقة الأمر لها ثقلها السياسي والاجتماعي وتعتبر مؤثرة في مجتمعاتها بشكل كبير، وتعول عليها الكثير من الأحزاب السياسية في برامجها الانتخابية، ولكن كثيراً من هذه الأقليات تنوء بثقل هائل من المشاكل المختلفة سياسياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً من أجلها عقد الكثير من المؤتمرات والمنتديات في أنحاء مختلفة من عالمنا الإسلامي.
واليوم يأتي كرسي الأمير سلطان بن عبدالعزيز من أجل هذه الأقليات ليقدم الدراسة والحل لكثير من قضايا هذه الأقليات، وفي نظري أن هذا الدعم السخي من لدن سمو ولي العهد سلطان الدعوة ونصرة المسلمين سلطان بن عبدالعزيز جاء في وقته تماماً، حيث تعيش الأقليات الإسلامية ومنذ عقد من الزمن وضعاً استثنائياً على كافة الأصعدة، وسموه بوصفه الرجل القريب من العمل الإسلامي والمدرك للمتغيرات على صعيد هذه الأقليات تحديداً، أدرك هذه المشكلة وأهمية إعطائها الاهتمام المناسب بغية أن تقوم بدورها المأمول، وجامعة الملك عبدالعزيز التي تحتضن هذا الكرسي الهام بل والهام جداً يعول عليها الكثير في أن تولي هذه المهمة التي شرفت بها من لدن الأمير سلطان بن عبدالعزيز جل عنايتها وتمنح القادرين من الأساتذة المتخصصين والمهتمين بهذا الشأن الفرصة في أن يقدموا ما يحقق الأهداف المتوخاة من وجود هذا الكرسي العلمي الهام.
almajd858@hotmail.com