من العناصر الإيجابية في مجال التطوير الإداري والتقني، اهتمام بعض المنشآت أو المؤسسات العامة والخاصة، بإنشاء وحدات للبحوث والدراسات، لدعم برامج التطوير، و تحليل بعض المشكلات أو الظواهر السائدة في المجتمع، ذات الصلة بمهام هذه المنشأة أو تلك.
وهذه الإضافة العلمية والمنهجية تسهم بالتأكيد في توسيع الأفق العام للمنشأة، وتفعيل دورها العام. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإنَّ إنشاء مثل هذه الوحدات يثري المخزون العلمي والمعرفي في المجتمع، من خلال برامج التعاون والعمل المشترك بينها، وبين الوحدات البحثية الأخرى التابعة للجامعات، أو المستقلة، ويزيد كذلك من فرص البناء والتطوير، ومعالجة الصعوبات والمعوقات، وصياغة الحلول والمقترحات.
ومن المهم جداً أن تعمل الوحدات البحثية على إنجاز مهامها، بالاستناد إلى عنصري: الإدارة والإرادة معاً. فهي بحاجة إلى إدارة فاعلة وقادرة على تكوين فريق عمل كفء يتحسس قضايا المجتمع ذات الصلة بمهام منشأته، ويحدِّد أبرز القضايا أو الإشكالات التي يمكن أن تخضع للتحليل والدراسة، وأبرز عناصرها، والفترة الزمنية اللازمة لإنجازها، والجهة المنفذة لها.
وقد تتولى الوحدة البحثية في المنشأة مهمة إعداد الدراسة، أو إعدادها بالاشتراك والتعاون مع أحد المراكز البحثية، أو حتى إسنادها بالكلية إليه، فالأمر مرهون بطبيعة الحال بنوعية الدراسة، والقدرات الفنية للوحدة البحثية، ومدى الحاجة إلى الاستعانة بخبرات أخرى لضمان أن تخرج الدراسة مستوفية كافة أركانها الأساسية.
وأما العنصر الآخر والأهم في هذه المسألة فهو توفر إرادة وعزيمة صُلبة تعمل على الاستفادة بأقصى درجة ممكنة من نتائج الدراسة، وترجمة توصياتها إلى خطة عمل محددة، وواقعٍ ماديٍ محسوس، يعزَّز من كفاءة أداء المنشأة لمهامها الأساسية، ويسهم في الوقت نفسه في توسيع دائرة الاتصال والتواصل مع المجتمع، واستيعاب قضاياه ومشكلاته الأساسية، بما ينعكس إيجاباً على مؤشرات البناء والإصلاح.
إذن بالإدارة والإرادة معاً يمكن للمنشأة أن تعمل وفق قاعدة بحثية تثري جوانب العمل والتفاعل مع المجتمع، وتنجز مهامها عبر أُطرٍ وقنوات ملائمة، تحقق أهداف المنشأة على أفضل صورة ممكنة.
على صعيد التجارب والوقائع والأوضاع الراهنة ربما تتواجد الوحدات البحثية في الكثير من المنشآت الحكومية على سبيل المثال، ولكنها بحاجة إلى تفعيل أكبر، واهتمام أكثر، ورعاية أشمل، حتى يمكن أن يحصد المجتمع، والمنشآت نفسها الفائدة والثمرة من إنشائها.
ولقد توقفت كثيراً عند تجربة الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا المجال، فرغم الفترة الزمنية المحدودة نسبياً على إنشاء وحدتها البحثية ممثلة في (مركز البحوث والدراسات) فقد نجح المركز في إنجاز ومباشرة العديد من الدراسات والأبحاث المتنوعة ذات الصلة بمهام ووظائف جهاز الهيئة، والتي تستهدف إجمالاً إيجاد أفضل السُبل الممكنة للرفع من كفاءة الأداء، وتسليط الضوء على بعض الظواهر السلبية في المجتمع، من خلال دراسات علمية محكَّمة تخلص إلى نتائج وتوصيات تنعكس إيجاباً على المنشأة نفسها، وعلى استقرار المجتمع وتماسكه.
وتتنوع الدراسات الصادرة من مركز البحوث والدراسات التابع للرئاسة العامة، فهناك دراسات يتم إعدادها في المركز بإشراف المجلس العلمي التابع له، وأخرى بإشراف جهات بحثية أخرى، وثالثة يتعاقد على إعدادها.
من أبرز الدراسات التي أعدها المركز ثلاث دراسات، تتناول بعض الظواهر الاجتماعية، والقضايا الجنائية، إحداها عن (ألعاب الأطفال الإلكترونية) والأخرى عن (ابتزاز النساء) والثالثة عن (التعزير بالمال وبدائل العقوبات المدنية والسالبة للحرية).
كما أنَّ المركز بصدد إصدار مجلة علمية متخصصة تُعنى بفقه الحسبة، ورفع المستوى العلمي والفقهي والدعوي للعاملين في الهيئة، إضافة إلى شرائح المجتمع الأخرى.
وأما الدراسات التي يتولى المركز إعدادها بإشراف جهات بحثية خارجية، فمن أبرزها: مشروع دراسة عن (الاختلاط مظاهره وآثاره وجهود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في معالجته - دراسة تقويمية ميدانية) ويتولى إعدادها نخبة من الباحثين في الجمعية السعودية للدراسات الدعوية. ومشروع دراسة أخرى عن (هروب الفتيات: أسبابه، آثاره، علاجه) ويتولى إعدادها نخبة من الباحثين في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.
إضافة إلى تعاون المركز مع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في إعداد بحثين عن (شبكة المعلومات الإنترنت واستخداماتها السيئة) و(المعاكسات في المجتمع السعودي).
إضافة إلى ما سبق فقد تعاقد المركز مع عدة جهات بحثية على إعداد عدة دراسات مهمة، من أبرزها:
- مشروع دراسة بعنوان (وقوعات مراكز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- دراسة ميدانية بأنواعها، حجمها، أسبابها، الآثار المترتبة عليها، أساليب الحد منها) وتهدف هذه الدراسة إلى قياس عمل جهاز الهيئة بما يتعلق بمكافحة الجريمة، ونوعية المخالفات والجرائم التي يعالجها، ويعكف على إعدادها نخبة من الباحثين الأكاديميين في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
- مشروع دراسة بعنوان (برنامج تطوير العمل الميداني لمراكز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وتهدف هذه الدراسة إلى الارتقاء ببيئة العمل الميداني، وتذليل معوقاته، ويعكف على إعدادها نخبة من الباحثين الأكاديميين في معهد الملك عبد الله للبحوث والاستشارات - جامعة الملك سعود.
- مشروع دراسة بعنوان (المشكلات الميدانية - دراسة ميدانية تقويمية لمشكلات العمل في مراكز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وتهدف إلى حصر ودراسة المشكلات التي تواجه مراكز الهيئة والعاملين فيها، ومقترحات رفع كفاءة الأداء، ويعكف على إعدادها نخبة من الباحثين في معهد البحوث والخدمات الاستشارية - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
- مشروع دراسة بعنوان (تطوير جهود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الزوار في المدينة المنورة) ويعكف على إعدادها نخبة من الباحثين من الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة والأديان والفرق والمذاهب - الجامعة الإسلامية.
والأمل أن يُترجم هذا الجهد العلمي والبحثي عملياً عبر آلية يتم بموجبها تفعيل نتائجه وتطبيق مقترحاته، خاصة بما يتعلق بتحسين الأداء، والرفع من كفاءته، وتطوير أساليب العمل، والإلمام بدرجة أكبر بطبيعة مشكلات المجتمع وقضاياه.
فالرسالة الملقاة على عاتق جهاز الهيئة عنصر أساس في بناء المجتمع وتماسكه، ومن ثمَّ تبدو أهمية اختيار طرق التعامل الإيجابي التي تساعد على غرس قيم الخير والفضيلة، وتزيد من فرص التقويم والإصلاح، ومن قناعات شرائح عدة من المجتمع بالدور المحوري لجهاز الهيئة في حراسة الفضائل، ومنع الرذائل، ونشر الخلق الإسلامي الرفيع، وبما يسد كذلك كافة الذرائع أمام من يتصيد العثرة، ويقتنص الزلة، للنيل من قيمة هذا العمل، وهذه الرسالة النبيلة.
من مأثور الحِكم: ما الإِرادَةُ إِلاَّ كَالسَّيْفِ يُصْدِئُهُ الإِهْمالُ ويَشْحَذُهُ الضَّرْبُ والنِّزالُ.