مع الارتفاع المضطرد والمتواصل للأسعار, والذي جاء نتيجة موجة تضخم عالمية كان للمملكة نصيبها منها, كونها مرتبطة بالاقتصاد العالمي وغير معزولة عنه، كثر الحديث عن هذه الإشكالية وطرق التعامل والعلاج اللازم لها, وبغض النظر عن التدخلات التي قامت بها الدولة والأساليب التي اعتمدتها للتعامل مع ذلك, إلا أن هذا الأمر لا يخلو من المسؤولية الجماعية؛ أي ضرورة التعامل الشخصي واتباع الأساليب الفردية حياله, فلو راجعنا سلوكياتنا وثوابتنا في التعامل مع السلع وغيرها من مقومات العيش اليومي لوجدنا أن غالبها يطغى عليه صفة وميزة الاستهلاك الغرائزي, ابتداء من صنبور الماء وهدره اليومي, وانتهاء بعربة وسلة مشتريات السوق المكتظة بالسلع والمشتريات غير الضرورية التي تلفظ الكثير من محتوياتها سقوطاً في أروقة وممرات الأسواق ونحن ندفعها إلى ماكينة الكاشير بنهم شرائي مهووس بصرف المال وتبديده على مشتريات ومواد غذائية تغلب عليها الصفة الكمالية لا الضرورية لترتمي في أدراج المخازن والمطابخ المنزلية لأشهر حتى تتعفن وتنتهي صلاحيتها.
صحيح أن لكل قاعدة شواذاً وأن إطلاق صفات التعميم إحدى إشكاليات الفهم العربي للظواهر, ولكن من نافلة القول: أن ما تمر به البلاد من موجة ارتفاع بالأسعار والغلاء قد كشفت وتكشفت عنها ثقافتنا وطبائعنا الاستهلاكية في العلاقة مع السلع, فلو أن المرء بدلاً من التذمر الذي لا يسقي اللبن من ارتفاع السعر العام, حاول أن يجنح إلى نوع من الانعتاق من ثقافة الاستهلاك واتباع ثقافة الترشيد, وتبويب الخيارات في التسوق, لكان في ذلك خير كثير ومدافع واضح ومساعد ضد موجة الأسعار والغلاء الحالية التي بقدر ما هي مسؤولية حكومية وتجارية في الدرجة الأولى, بقدر ما هي تشابكات قناعة وطباع تشمل تصرفات وسلوكيات المواطن في الدرجة الثانية, ولن يحميه من آثارها سوى اتباع أساليب التقنين والترشيد في الاستهلاك وتحسين علاقته اليومية مع الريال.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244