علق الرئيس السابق لبنك الاحتياط الفدرالي الأمريكي السيد آلان جرينسبان في منتدى جدة الاقتصادي الأسبوع الماضي على عدد من القضايا الاقتصادية. وقد احتل حديثه عن قضية التضخم في الاقتصاد الخليجي عناوين عدد من الصحف الخليجية والعالمية، حين دعى صراحة إلى (تعويم) العملات الخليجية. حيث (جزم) بأن هذا التعويم سيكون له تأثير (إيجابي) على معدلات التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي!
كان السيد جرينسبان (ومازال) إحدى الظواهر الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد لازم اسمه و(خطاباته الشهيرة) مرحلة الازدهار الاقتصادي الأمريكي في التسعينيات، وهذا الأمر كان كفيلاً بتخليده في مخيلة الشعب الأمريكي، لا سيما وأن التضخم حينها كان (تحت سيطرة) السيد جرينسبان. غير أن هذا جعل بعض الاقتصاديين يرى في السيد جرينسبان رجلاً محظوظاً. ومنهم من اعتقد أن نفوذه وتأثيره على معطيات الاقتصاد الأمريكي كان أمراً مبالغاً فيه. ومنهم من يرى أن دعمه للخفض المستمر لأسعار الفائدة في الولايات المتحدة مع مطلع الألفية كان سبباً استراتيجياً لأزمة الرهن العقاري الحالية، حين لامست أسعار الفائدة آنذاك معدل الصفر تقريباً مما حفز هجوماً واضحاً على التمويل وإعادة التمويل العقاري تحديداً، والذي رفع بدوره من مستوى مديونية المستهلكين التي انتهت بتعثر الكثير منهم نتيجة تراجع الاقتصاد الأمريكي اليوم.
عندما كان السيد جرينسبان يسعى لخفض التضخم، كان يقوم برفع أسعار الفائدة ليثبط الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري من جهة ولكي يمتص السيولة من الاقتصاد من جهة أخرى. وعندما يسعى إلى تحفيز النشاط الاقتصادي، كان يقوم بخفض سعر الفائدة ليحفز الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري من جهة وليضخ مزيداً من السيولة داخل الاقتصاد من جهة أخرى. وهذا كان لب السياسة النقدية الأمريكية والذي لا يختلف مع أبجديات النظرية الاقتصادية. وبالرغم من النقد الوارد أعلاه، إلا أن هذه السياسة نجحت إلى حد كبير في السيطرة على التضخم على الأقل.
غير أن السيد جرينسبان، بعد هذا العمر المديد وهذا الالتصاق بهذا المنهج في السياسة النقدية (كما يبدو)، تولد لديه اعتقاد أن منهج السياسة النقدية الأمريكية والنابع من الفعالية العالية لسعر الفائدة (تعويذة) يمكن تعليقها في جيد أي اقتصاد وستضمن له الحماية من (شرور) التضخم والركود الاقتصادي. ولهذا دعا إلى (تعويم) العملات الخليجية! وهذه دعوة في الأساس إلى تحرير السياسة النقدية الخليجية. غير أنه ربما غاب عن ذهنه أن التضخم في الاقتصاد الخليجي لم يأت كنتيجة لانخفاض أسعار الفائدة، وأن التضخم في معظمه هيكلي، ونتيجة طبيعية لضيق الطاقة الاستيعابية للاقتصاد. إضافة إلى ذلك، فإن مطالبته بتعويم العملات الخليجية، كانت أقل ما يقال عنها بأنها (متطرفة) كون هيكل الاقتصاد الخليجي ما زال أضعف مما يحتمل عملة معومة سواءً في المدى القصير أو الطويل!
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 9703 ثم أرسلها إلى الكود 82244
استشاري اقتصادي
algudhea@yahoo.com