تركزت اهتمامات العامة على قرار الزيادة بنسبة 5 في المائة، ولم يلتفتوا إلى القرارات الأخرى التي يرى كثير من المحللين أنها تتسم بالنضج والحكمة وبعد النظر، فأين ملامح النضج والحكمة وبعد النظر التي لم تتبين ملامحها للعامة؟ إنها تتبين وتتجلى في الأبعاد ذات المساس بحياة عامة الناس وليس بمنسوبي الدولة فقط، ومن ذلك:
* كون الدولة تتحمل نسبة (50 بالمائة) من رسوم الموانئ التي تحصلها الدولة، وذلك لمدة ثلاث سنوات، وهذا يعني أن كل البضائع والسلع التي ترد للمملكة وهي ذات نفع عام، سوف تقل كلفتها عن كاهل عامة الناس، وليس فئة دون أخرى.
* كون الدولة تتحمل نسبة (50 بالمائة) من رسوم جوازات السفر، ورخص السير ونقل الملكية وتجديد رخصة الإقامة للعمالة المنزلية، وذلك لمدة ثلاث سنوات، وهذا يقتضي تخفيف عبء مالي يشمل جل عامة الناس، فالكل له علاقة بما ذكر وخصوصاً العمالة المنزلية.
* زيادة مخصصات الضمان الاجتماعي بنسبة (10 بالمائة) تغطي فئة كريمة تشمل الأرامل والأيتام والعجزة وكبار السن، وهنا تتجلى صورة من تكامل العناية والاهتمام بشرائح المجتمع وفئاته كافة.
* استمرار دعم السلع الأساسية، الأرز والحليب، وهي ذات نفع عام و صلة مباشرة بالمواطنين كافة، ولا يخفى أثر الدعم وقيمته في التخفيف من حدة ارتفاع أسعار هذه السلع ولمدة ثلاث سنوات.
* المسارعة في بناء الإسكان الشعبي، الذي تم اعتماد مبلغ عشرة مليارات ريال له، مع استمرار اعتماد مبالغ إضافية له في السنوات القادمة، ولا تخفى الجدوى لمثل هذه المشروعات ذات النفع العام، وانعكاساتها على رخاء الحياة العامة وتيسير سبلها.
* التأكيد على تفعيل نظام المنافسة، ومنع أي نوع من الممارسات الاحتكارية، وتفعيل الدور الرقابي والتوعوي لحماية المستهلك، وتكثيف جهود مراقبة الأسعار ومكافحة الغش، وإنهاء مشروع نظام السياسة التموينية، وإصدار نظام الرهن العقاري والأنظمة المرتبطة به.
إن المتفحص لهذه القرارات، يلحظ وبوضوح تام، أنها شرعت لكي تلامس كل شرائح المجتمع وفئاته، بحيث لا تستأثر بها شريحة معينة دون أخرى، وهذه نظرة شاملة عادلة موفقة، كما أن هذه القرارات استطاعت أن تقطع الطريق على مسوغات الزيادة في مستلزمات الحياة الضرورية، فهذه القرارات ذات أبعاد استراتيجية عميقة في رؤيتها وانعكاساتها على شؤون الحياة العامة لكل أفراد المجتمع.
إن تحكيم العقل يهدي دائماً إلى الحق، وإلى التبصر والتثبت والتحقق من أنجع السبل التي تفضي إلى النتائج الأفضل، وهذا ما نتوقعه من هذه القرارات التي بنيت على رؤية عاقلة مستبصرة، في حين أن تحكيم العاطفة يعمي صاحبه، ويجعله لا ينظر إلى الأمور بحكمة وحنكة، وبهذا يفوت على نفسه رؤية الأبعاد التي تحقق له الفوز بما هو أفضل مما يظن أنه الحق و الصواب.
Ab.moa@hotmail.com