ما بال غيمتي اليوم لم تسقني من عذب الماء..
رحلت وأنا أراقبها بعين جف دمعها.. وقلب يرفرف كالطائر الجريح..
تمشي هوناً وتباعد بيني وبينها المسافات.. اختفت وتركتني عطشى بدون سقيا..
ما بال شمسي اليوم قد توارت بالحجاب لم تهدني الدفء! لِمَ الغياب؟ لماذا تستعجلين الرحيل؟
ألا تعلمين كم هو الفراغ الذي يتركه غيابك!
ألا تشعرين بالألم الذي يعتصر فؤاداً تعوَّد حنانك!
ألا تدركين يا غالية كم احتاجك!
تأكدي يا ريحانتي بأن غربة الزمان والمكان في غيابك أجهدتني.. في هجعة هذه الليلة حلَّت المصيبة ضيفة علينا..
ورأيت الشموع تتهاوى في ظلام الحزن..
فقدت شمعتي بنورها وضيائها..
وسمعت همسات المحزونين يمزق صداها سكون الكون..
ماتت أمي - رحمها الله - فخيَّم الحزن بظلاله وأرخى سدوله..
اختنق القلب وسال الدمع، لكنه لم يطفئ اللوعة، ولم يخفف الحسرة والأسى.. ومن بين ركام الأحزان سال دمع قلمي وبث شجنه..
لقد أيقنت بأن كل الأمل في دنيانا سراب.. وأن كل الذين فوق التراب تراب..
وأدركت بأن الموت هو طريقنا.. وبأن خطانا تأخذنا إلى هناك دون أن نعلم متى وكيف؟
الموت يأتي بكل إصرار ويسرق الأحباب ولا يقبل فدية ولا تأجيلاً..
ولو أن هذا الموت قَبِلَ فدية..
فديناه أموالاً كراماً وأنفساً..
أين أنت يا غالية؟
غيابك يشعل في الجوف نيران لهيبها.. لا يحتمل جسر دموعي لم يخفف ألم فجيعتي فيك..
أجول في الزوايا.. أبحث عنك أجد أحبابك وأصحابك إلا أنت..
حضورهم والتفافهم يزيد ألمي.. أراك في كل الوجوه التي تحبك..
أراك في كل الدموع التي تسقط من أجلك..
أراك بين الجموع كالزهرة تعطرين بسيرتك وسمو ذاتك كل الأجواء..
لقد فقدتك، لكني فخورة بك.. لم يخذلك الحضور..
لقد رفعوك بأقوالهم حتى عجزت الكلمات..
حملوك يا روحي وشعرت بأن قلبي يغادر المكان..
كنت أعلم بأن اللقاء الأخير، وأنه الوداع، وأنه صعب، لكن لم أتخيَّل ما سيحدث بعد؟
وضعوك تحت الأرض ولم يرحموا خيالاً فوق الأرض يناجيك..
حثوا عليك التراب ولم يستجيبوا لنداء قلبي وصراخ لساني..
أمي لا تتركوها وحدها.. هي لا تحب الوحدة..
أمي تخاف من الظلام..
أمي لا تطيق الأماكن الضيقة..
همسوا لي أنها في ضيافة الرحمن.. خفق القلب.. ونعم الضيافة..
تذكرت كيف كانت.. وكيف أصبحت.. وكيف بدأت تنهار وتذوب؟
وأنا أعجزتني السبل ولم أوفق في تسكين ألم أو تخفيف تعب أو دفع مصيبة..
موتك يا حياة الروح كالصاعقة أنزلني إلى أعماق الأرض.. وأوهن قوتي وأنهى عزائمي..
لم أكن مستعدة لهذا اليوم، ولم يخطر ببالي أن السور الذي يحميني سينهدم يوماً..
وأبقى في مهب الريح وحيدة ستقذفني في جزيرة لا حياة فيها..
لكنها إرادة الله.. هو المعطي.. وهو الذي أخذ.. وكل شيء عنده بأجل..
أماه.. آه ثم آه.. لقد افتقدت الدلال العذب والحنان المميز..
كم تمنيت أن يكون في عمري ولو دقيقة أستطيع أن أمنحها لك..
كم تمنيت أن أحمل تعبك وألقيه بعيداً..
كم تمنيت أن تبقى يدك تمسح شعري إلى أن ينتهي العمر..
كم تمنيت أن أرتمي في أحضانك أنعم بالحب إلى آخر لحظاتي..
كم تمنيت أن أستمع إلى همسك ونصحك إلى أبعد مدى..
لكن إرادة الله سبقت كل الأماني.. سأبقى هنا وحدي وأنت معي داخل القلب والعين..
ستبقين الشمعة التي تضيء سنين عمري..
ستبقين ملهمتي ومؤنسة وحشتي وستبقين صديقتي ورفيقتي وصندوق سري..
وستبقين لي الأمان والحنان.. لا تتركي قلبي ينبض بعيداً عن نبض قلبك..
ولا تتركي يدي بعيدة عن لمسة يديك.. أشعريني بأنك كنت وما زلت بسمة أيامي وربيع عمري..
وأنك بقربي واهمسي لي بدعواتك التي أعشقها..
أحبك أمي وأعاني كثيراً ألم فقدك أغفو وأصحو على صورتك وندائك..
أفتقدك وتغتالني الحسرة لغيابك.. فكيف سأقضي باقي العمر بدونك؟
إلهي.. ألهمني الصبر.. وأخلفني في مصيبتي خيراً..
أم نايف