قراءة وعرض: حمد بن عبدالله القميزي
اسم الكتاب: العولمة مقاومة واستثمار
المؤلف: د. إبراهيم ناصر الناصر
تاريخ الطباعة: (1426هـ)
الناشر: مجلة البيان
عرض المؤلف في مقدمة كتابه مجموعة من تعريفات العولمة، صاغ بعدها تعريفاً لها على النحو التالي: هي التوجه الأيديولوجي لليبرالية الجديدة التي تركز على قوانين السوق، والحرية المطلقة في انتقال البضائع والموال والأشخاص والمعلومات في الاقتصاد، وعلى فكرة الديمقراطية في البعد السياسي، وعلى مفهوم الحرية شبه المطلقة والمساواة التماثلية في البعد الاجتماعي، فهي نظام عالمي يشمل المجالات السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية، كما يشمل مجال التسويق والمبادلات والاتصالات.
وطرح المؤلف الأسئلة التي تثيرها لعولمة، أوصلت إجاباتها إلى سيطرة الأقوياء مادياً وحضارياً على الضعفاء، مستخدمين قدراتهم وسبقهم في توظيف آليات العولمة وثمار التقنية لصالحهم، أو أمركة العالم مستشهداً بقول الرئيس الأمريكي السابق كلينتون: (إن أمريكا تؤمن بأن قيمها صالحة لكل الجنس البشري، وإننا نستشعر أن علينا التزاماً مقدساً لتحويل العالم إلى صورتنا).
وتظهر العولمة في مجالات عديدة من مجالات الحياة، وأهمها:
- المجال الاقتصادي: وترتكز فيه العولمة على فكرة وحدة السوق، وإزالة العوائق أمام حركة رأس المال وحرية الاقتصاد واتخاذ الدولار معياراً للنقد، وتحويل مجتمعات الدول الغربية إلى مجتمعات منتجة، ومجتمعات الدول الأخرى إلى مجتمعات مستهلكة.
- المجال الاجتماعي: وذلك بتنميط العالم على نحو نمط المجتمعات الغربية (تغريب العالم) ولا سيما أمريكا (الأمركة)، وذلك بنقل قيم المجتمع الغربي والأمريكي خاصة ليكون المثال والقدوة، ومن وسائل العولمة الاجتماعية: المؤتمرات والندوات الدولية، ونقل السلوكيات والعادات العربية من خلال المواد الإعلامية في القنوات الفضائية وشبكة الإنترنت.
- المجال الفكري والثقافي: وذلك بترويج الأيديولوجيات الفكرية الغربية، وفرضها في الواقع من خلال الضغوط السياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية أيضاً. وذلك في مجالات عدة حتى يتحقق ما روج له دعاة العولمة من (نهاية الأيديولوجيا)، التي تعني القضاء على الدين والفكر والقيم والأخلاق. ومن وسائل ذلك: إصدار الصكوك والاتفاقيات الدولية المصاغة بوجهة نظر غربية علمانية، وإصدار القوانين من أجل استخدامها ضد دول العالم الثالث باسم حماية الأقليات، وإصدار التقارير الدورية للضغط الإعلامي والسياسي والاقتصادي على المجتمعات الأخرى.
- المجال السياسي: وذلك من خلال استخدام الأمم المتحدة ومؤسساتها السياسية المؤثرة، خاصة مجلس الأمن الذي تعد قراراته ملزمة عالمياً، واستخدام حق النقض (الفيتو) عند الضرورة أو التلويح باستخدامه لمنع أي قرار لا يريده الغرب وخاصة أمريكا.
وللعولمة مخاطر ضخمة ومفاسد جمة من أهمها:
- الخطر المجتمعي: ومن أسوأ مظاهره انقسام المجتمعات إلى طبقات الأغنياء والفقراء، وتكدس الأموال في أيدي قلة من الناس، مما يؤدي إلى تسلطهم وتحكمهم في مصير الكثرة، إذ تشير الإحصائيات إلى أن (20%) من سكان العالم يملكون (80%) من ثرواته، وأن (5) دول غربية فيها (172) شركة من أصل (200) شركة كبيرة في العالم.
- الخطر الثقافي: وهو محاولة صهر الثقافات الموجودة في ثقافة واحدة هي الثقافة الغربية ولا سيما الأمريكية، ومن ذلك تفرد اللغة الإنجليزية كاللغة عالمية، فبينما يوجد في العالم (6000) لغة تستحوذ اللغة الإنجليزية على (90%) من برامج الإنترنت، وحذرت دراسة من أن (90%) من اللغات المحلية سوف تختفي في القرن الحادي والعشرين.
- الخطر الأخلاقي: بما يبث عبر القنوات الفضائية والإنترنت من أفلام جنسية ومواد إعلامية تروج الفاحشة والرذيلة، وما يحققه الانفتاح العالمي من فرص لترويج الأنشطة غير الأخلاقية، ولهذا حذرت المؤتمرات من الأخطار الأخلاقية للعولمة، ومن ذلك مؤتمر (العولمة والقيم الأخلاقية) في اسطنبول عام (2001م). وقامت ألمانيا نتيجة لكثرة المواقع الإباحية بإغلاق (200) موقع إباحي، ومن مظاهر الخطر الأخلاقي عروض الأزياء ومسابقات ملكات الجمال.
- الخطر الاجتماعي: ويتمثل في فرض الأنموذج الاجتماعي الغربي في مجال الأسرة والمرأة على العالم، وقد حذرت رئيسة جمعية الأمهات الصغيرات بأمريكا في مؤتمر السكان في القاهرة عام (1994م) المسلمين بقولها: (لقد دمروا المجتمع الأمريكي، وجاؤوا بأفكارهم للمجتمعات الإسلامية حتى يدمروها، ويدمروا المرأة المسلمة ودورها فيها).
وكما أن للعولمة أخطارها الضخمة فإن هناك مكاسب من الفرص والقيم المحايدة، فالموقف العقلاني الرشيد ليس فقط المقاومة وإنما نضيف إلى ذلك استثمار الفرص السانحة باستخدام آليات العولمة فيما يخدم المسلمين ويحافظ على هويتهم ويبرز موقفهم ويحمي كيانهم ويصحح أوضاعهم، وخاصة أن العولمة أصبحت مسنودة بالتزامات دولية ودعم قانوني عالمي وآليات ومؤسسات أممية. لذا نحتاج إلى:
- تعميق البعد العقدي والديني والخلقي في نفوس المسلمين.
- إبراز قيم التفوق الثقافي والفكري والأدبي والحضاري لملائمة قيم العولمة الثقافية والحضارية، مثل: الشورى، والعدل.
- المحافظة على الخصوصية الثقافية مع الانفتاح الذي يجعلنا نستوعب ما عند الآخرين.
- مواجهة النوازل المستجدة بفقه واع للسياسة الشرعية، والرد العلمي على الشبهات التي تنشرها بعض وسائل الإعلام.
- الاستعلاء بالإيمان بالله، والثقة بأن المستقبل لدين الإسلام ولهذه الأمة، وتحرير العقول من الولوع بالثقافة الغربية المادية.
- استخدام وسائل التقنية بكفاءة من اجل عولمة مضادة.
أخيراً: بعد قراءة هذا الكتاب وعرضه أستطيع القول إنه محاولة جادة وموفقة طرح فيها المؤلف رؤية موضوعية للعولمة جمعت بين فكرة المقاومة والاستثمار.