القانون الكلي العام،الناظم للحراك الوجودي كافة،هو التحوير،والتدرج من وضعية إلى أخرى, والإنسان بحكم طبيعته،في مساق مطرد من الصيرورة المتواصلة؛ سرمدية الآني،وديمومة تموقعه،شأن يتنافى والنواميس الكونية، ذات الطابع الصيروري, الجمود, والتأبي على التحوير....
....وعدم التغير يفقد الشيء تألقه, ويجرده بحكم الإلف والعادة مما يتميز به من جاذبية, ورونق أخاذ؛ يتعذر تجسيد وضعية عليا من التقدم المطرد, إلا إذا تمكنا, على الصعيدين الفردي والاجتماعي من التغيير على المستويين السلوكي والعقلي، في آن, للواقع المتعين الذي نروم تحديثه, عبر النأي عن حزمة من النظم, والقوالب العاملة في السلب, كمخاض حتمي, لضمورها وعدم قدرتها على إفراز ما يدفع إلى الرقي، والبحث عن معطيات أكثر فاعلية, وقدرة على استيعاب طبيعة التحديات المتسارعة على مستوى العالم اليوم؛ إن التغيير له مناحي متنوعة, فكما أنه قد يكون في الاتجاه نحو الأسمى, فإنه أحياناً قد يكون بالقصد صوب الأسوأ, التغيير قد يكون مفروضاً على نحو قسري, وأحيانا يكون سلوكا إراديا يباشره الإنسان بكل طواعية واختيار. إن التغيير الذي له الأولوية, ليس مجرد مفارقة حالة إلى حالة أخرى، لذات المفارقة فحسب، وليس مجرد تغيير شكلي، يراد به نجاحا لحظويا، إنما هو تحول نوعي، يطال مفاصل الوعي، يتماس والأنساق المضمرة، إنه ذلك الذي يستهدف الذات كمنطلق أول لكل تحوير, يجري على متباين الصعد كافة, التغيير العامل في الإيجاب هو ذلك الذي لا يتهوك - لا يتخبط، ويعتمد على التأويل القسري للعقائد, ولا يستخف بالمنجز التاريخي، وأيضاً لا يعمل على الإخلاد إلى الموروث الاجتماعي, من تلك التقاليد البالية المفتقرة لشرط منطقتها -بفتح الطاء- وإنما هو تغيير يجري وفق الانفتاح على المعطى المستجد, ليس في إطار حداثته, وإنما في إطار اتساقه مع المبادئ العليا, والرؤى الكلية المشكلة للهوية الخاصة, مع التحلي بمسلك الهدوء، ريثما تتولد البواعث الذاتية للتغيير. إن المجتمعات الإستاتيكية بطبيعتها لا يستهويها التغيير! بل وفي أحيان كثيرة ترى عدم مشروعيته, لذا فهي دائماً متحفزة وعلى استعداد تام لمقاومة من يحول بينها وبين مألوفاتها التقليدية، إنها تبدي سلبية مقيتة, إزاء كل تحوير يصادر سكونية الثقافة المعاشة.
العقدة الأبوية كثيراً ما تنتظم المجتمعات, وتلقي بظلالها, على المستويات عامة، المجتمع هنا يتمحور حول التالد, ينشدّ إليه, يغرق في ترميزه, يبدي قالباً من المقاومة لما عداه, كثير من المفردات, في المجتمعات الرعوية, لا تستوحي مشروعيتها, من واقعيتها, وإنما تستوحي ذلك من تقادمها، تقادمها ضرورة شرطية لتمددها، ولأن التماس معها يجري داخل إطار اجتماعي؛ كثيراً ما يكون الدافع لرفض التغيير، هو أن المجتمعات تخشى المآلات التي ينشؤها هذا المنحى التغييري, الذي قد يترتب عليه - في تصورها- متتاليات تنطوي في مخبوئها, على كل ما من شأنه التمرد على الخصوصية, وإضعاف الحساسية نحو القيم المركزية في المجتمع.
إن مقاومة التغيير, والتأبي على مفرداته, مخاض بديهي, لما تأصل في أغوار الوعي من أن كل تغيير يستهدف المجتمع, لا يعدو أن يكون محاولة عابثة لانتهاك القيم, وإشاعة بواعث التقهقر, إن التغيير عندما ينهض على مصادمة المجتمع, أو إشعاره بعدم منطقية مسلماته, وعلى نحو مباشر، فإنه يوقظ في أفراد ذلك المجتمع, روح التأبي, والتمنع وعدم الاستجابة لإستراتيجيات التغيير.
حينما يمارس الفاعل التغييري, أستاذية مباشرة, ولوناً من القالب الأبوي, فيحمل الآخرين, قسراً لتبني متبنياته, ويكرههم على تطبيقها الحرفي, مع تجاهل ما تفرضه عليهم أنساقهم, فإنه بذلك يشتغل على تحفيز التمنع الشعبي الذي يستعصي على الضبط، ويثيره, وعلى أعلى مستوياته.
في هذا المساق تجدر الإشارة إلى أن ثمة تغيرات سلبية, تحدث دائما، نعم هي بطيئة, - بطؤها سر تغلغلها- لكنها مطردة, ولذلك قلما نتوخى تنقية الاذهان منها, مما يتيح لها فرصة الاستمرار, حتى تتنامى تداعياتها, وتأخذ حيزها الفسيح في السلوك الجمعي.
هذه التغيرات كانت في أول تخلقها, عبارة عن فكرة هزيلة، توفر لها كل ما يكفل ترعرعها، فربت حتى باتت عرفا تقليديا راسخا، كانت مفهوما ضئيل الانتشار، بدأ في التوالد الآلي حتى صار سمة لازمة تعكر صفاء القاعدة القيمية, وليس بالوسع الانفكاك من إسارها.
إن خفوتها, وعدم الشعور بأثرها, بداية وعدم إثارة الشكوك حولها, أحالها تدريجيا إلى نسق مستبطن, يتحكم في ضبط الإيقاع الشمولي العام.
إن ترشيد التكيف مع المتغيرات، شأن ضروري فالتغيير المطرد على أرض الواقع، يملي على العقل العام، ضرورة التنقل من حال إلى حال، والعمل على ديمومة الصيرورة الممرحلة، على نحو، يوفر زخما، من فرص التكيف المعتدل، حتى لا يأسرنا الواقع, وفي الآن عينه لا يستحيل جامداً بفعل أسرنا له.
إن التكيف الإيجابي هو ذلك الذي ينبعث على ضوء بصيرة مفصلة ومتكاملة, توقر الثابت, وتنطلق من إيحاءاته, إلى الانسجام مع منطق العصر، والتعاطي المعطاء مع معطياته المستجدة, وتوظيفها بشكل يدفع بالمجتمع الفاعل, صوب تصدير الحضارة, والتحكم في مسارها.
إن التغيير هو مناط النهوض، وهذا ولا ريب يحتم تجاوز العمل الفردي, نحو التوجه المؤسسي, بحسبه هو السبيل الأسمى لتوجيه أبعاد الواقع قاطبة, ومن ثم تجسيد النموذج المنشود.
Abdalla_2015@hotmail.com