دعوني بداية أسأل هذا السؤال وأقول: كم معلماً قرأ ميثاق أخلاقيات مهنة التعليم؟ وكم مدير مدرسة أخذ في خطة لقاءاته بالمعلمين هذا العام الدراسي وطرح الميثاق أمام المعلمين وراجع معهم بنوده من منطلق أنه ميثاقه وأن عليهم الالتزام به وبما ورد فيه خاصة وأن بنوده دارت وولدت من سياسة التعليم التي صيغت في ضوء تعاليم الشرع الحنيف.
أنا أعلم بأن أي إنسان إذا ما توظف والتحق بوزارة ما أو عمل في إحدى المؤسسات التابعة لها أحس بالانتماء إليها، ترى هل نحن راضون عن نسبة الانتماء لدى بعض المعلمين لوزارتهم التي تقود أشرف وأقدس مهنة مهنة الأنبياء والرسل؟
وكيف لا أشعر بقوة الانتماء لها وقد ساقني القدر إليها فكنت محظوظاً؟ كل مهنة في الدنيا شاقة ومتعبة ولها نجاحات وعليها إخفاقات ومهنة التعليم من هذه المهن إذا ما عددناها مهنة وإلا هي بالأصح رسالة يحملها صاحبها مشرفا تربويا كان أم مديراً أم معلماً أم قائداً تربويا إداريا. ومن يستطيع القول بأن التعليم ليس شاقاً؟ ومن يدرك هذا لن يستغرب ما سيواجه في مهنته ولكن يبقى التطلع والنجاح هدفا والإنسان الناجح أو المعلم في وزارتنا لا يرضى بأقل من النجاح ألم يقل أبوتمام (لا بد للشهد من إبر النحل) والإنسان الطموح لديه إحساس بالجوع المعرفي فهو لا يدخر جهدا في تحسين وتطوير قدراته.
سألت زميلا من المعلمين كان حانقا على وزارته بسبب عدم نيله المستوى وقد حاولت أن أوضح أن لا دخل لوزارته بشكل مباشر لارتباط ذلك بوزارتي الخدمة المدنية والمالية إلا أنه قال: سأعمل بقدر المستوى الذي نلته. بطبيعة الحال هذه ردة فعل كثيرين من المعلمين الذين لم ينالوا المستوى المستحق لهم غير أني فاجأته بسؤال قلت: لو لك ابن في مدرسة ووجدت معلمه مقصراً هل تقبل تبريره بأنه يعمل بقدر ما ناله من مستوى كنوع من الاحتجاج؟ فحار جوابا، فقلت: ما ذنب التلاميذ أبناء الناس أبناء المجتمع أن يدفعوا ثمن هذا القصور المتعمد؟ ثم أين نحن من أمانة العمل؟ هل أنا محق إذا ما قلت على وزارة التربية والتعليم أن تفكر في أن يؤدي كل خريج قسم المهنة قبل أن تحط رحاله في ميدان التعليم ما دمنا أمام نوعيات يريدون لتعليمنا أن ينحدر وفق أمزجتهم (هذا التعليم) المدعوم بالمليارات وبالأفكار وبالتجارب وبالخبرات والمحظوظ برجالات التربية والتعليم من أصحاب الشهادات؟ من الظلم أن نشعر بأنه ينحدر كما نسمع ذلك من النقاد والكتاب وما يتردد في مجالسنا ومدارسنا أم ستكون الأهواء متحكمة في عطاءات هؤلاء ولو أقسموا ألف مرة؟
صحيح هناك معوقات وعقبات وهناك قصور غير متعمد وهناك آمال عراض وطموحات وسنصل ذات يوم إلى أهدافنا ولكن أن نصل وفق خطوات منظمة ومرتبة ومدروسة خير ألف مرة من القفزات الطائشة التي قد يستعجلنا فيها كثير. صحيح لنا طموحات في مبان مدرسية تكون مكتملة المعامل الفصول المختبرات الأفنية القاعات مراكز المصادر، وصحيح أننا نطمح إلى وجود مناهج مطورة تعتمد على الكيف وتحقق للطالب أن يتعلم بواسطة التفكير وتتيح له الإبداع وتوفر له فرص النقاش والحوار وصحيح أن لنا طموحات في برامج مناشط للمدارس تعين على صياغة وبناء شخصيات طلابنا برغم ما ينعم به التعليم في بلدنا من مبان ومناهج رغم قدح بعض الكتاب فيها وهم البعيدون عنها لأنها سارت بخلاف ما تريد توجهاتهم وهم خريجوها.
ولكن كلها تبقى قاصرة برغم أهميتها ولا اختلاف حول ذلك إذا غاب المعلم محور العملية التعليمية والذي نعول عليه نجاحها فكم نحن بحاجة إلى معلم يشعر بعظم الرسالة وكبر الأمانة يشعر بقيمة الانتماء لوزارته وليس كأولئك الذين لم يتورعوا في النيل منها ومن رجالاتها في الإنترنت وغيره. نحن بحاجة إلى معلم يملك العشق لما يقوم به ويحس بالمتعة لعمله ومتطلباته فقد تجاوزنا معلم الضرورة بسنوات نحن بحاجة إلى معلم يمتلك مهارات الاتصال الجيد مع رؤسائه وطلابه وأولئك أمورهم بحاجة إلى معلم فعال يواكب الجديد في الأساليب والطرائق والوسائل ويكره أن يبقى في خانة التقليد والنمطية المنبوذة في التدريس والتي لم تعد صالحة لأبنائنا الطلاب، بحاجة إلى معلم يصنع من العقبات محطات انطلاق، بحاجة إلى معلم يمثل القدوة الحسنة لطلابه في سلوكه وأفعاله وأقواله وتصرفاته، بحاجة إلى معلم يجيد الرفق ويتحلى بالابتسامة ويمتلك أساليب امتلاك قلوب طلابه فكما قال المعلم الأول صلى الله عليه وسلم: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما خلا من شيء إلا شانه) ولم نعد في حاجة إلى معلم يكثر من الشكوى والتذمر ويختلق ألف شماعة يعلق تقصيره عليها ولا يحسن غيرها. لذا لابد أن تتجه كل الأنشطة التدريبية والأساليب الإشرافية صوب هذا المعلم لتصنع منه المعلم الذي نريده في مدارسنا فخيارنا المستقبلي التدريب.
fayall@hotmail.com