يقدر حجم الاستثمار في الصيدليات الأهلية بنحو 11.7 مليار ريال في السعودية وبحسب دراسة علمية، وهذا الرقم الضخم دفع بالكثير من غير أرباب المهنة والذين لا يعرفون عنها سوى اسمها إلى التوجه للاستثمار فيه حتى أصبح انتشار الصيدليات بشكل مبالغ فيه وأصبحت الصيدليات الأهلية تنافس بعددها محلات التموينات والوجبات الجاهزة مع عدم تجانس التوزيع في الأحياء بل والتكدس في أماكن على حساب أماكن أخرى حتى أصبح يتخيل للشخص العادي أن الدخول للصيدلية ضرورة يومية لا بد منها مثلها مثل الدخول لأي محل للتبضع وشراء المستلزمات الضرورية كالغذاء وغيرها... بل وأصبح تجولك في أي صيدلية هذه الأيام من شأنه أن يحنقك حتى الغليان فلا تعلم ما هي العلاقة بين الأدوية والمستلزمات الطبية وبين أحمر الشفاه والحنا وبعض العطور التي تناثرت هنا وهناك على رفوف الصيدليات وبات وجودها على حساب بعض الأدوية حتى يتبادر لذهنك بأنك داخل أحد مراكز التجميل وليس صيدلية بشرية من أولوياتها توفير الأدوية والضروريات العلاجية وحماية الناس من تلكم المواد العشبية والكيميائية مجهولة وغامضة المصدر والتي أصبحت وللأسف الصيدليات هي البيئة الخصبة والمجال الأسهل لتوزيعها وبيعها!!!!!!.
ومن الطبيعي أن تكون هذه الكثرة وهذا الزخم المتلاحق من الصيدليات على حساب الجودة والخدمة المثالية المطلوب أداؤها من الصيدليات الأهلية بل وانعكس هذا التنافس ليأخذ منحى آخر تمثل في التنافس على مساحات الصيدليات وعلى الديكورات الخارجية والداخلية وظهرت لدينا ما يسمى تجاوزا ب(الهايبر فارمسي) على غرار (الهايبر ماركت) وكأن المستثمرين يتبنون مقولة (افتح أكبر تربح أكثر) وبالطبع هذا كله كان على حساب أخلاقيات المهنة وآدابها خاصة إذا ما عرفنا اقتحام المجال من قبل العديد من رؤوس الأموال المدارة بعقول تجارية بحتة لا تفرق في التعامل بين دواء للصرع وزجاجة عطر إلا بهامشها الربحي ومردودها المادي والتي نتج عنها العديد من سلاسل الصيدليات التي اقتحمت السوق بشكل مذهل بحثا عن الكسب السريع والهامش الربحي الأعلى الذي أدى بدوره إلى إحجام أو هروب أبناء المهنة من الصيادلة القانونيين والذين لا النظام يقف بصفهم ليعيدوا للمهنة هيبتها ولا رؤوس أموالهم تستطيع مقارعة هؤلاء التجار أصحاب السلاسل الصيدلية المتناثرة هنا وهناك فأحد أهم الشروط التي ينبغي أن يملكها الصيدلي ليتملك صيدلية أهلية أن لا يكون صيدليا حكوميا مع العلم أنه حتى وقبل فترة وجيزة لا تصل لخمس سنوات لم يمكن لدينا سوى كلية صيدلة واحدة على مستوى المملكة؛ مما يعني احتياج وتعطش في القطاع الحكومي لخدمات هؤلاء الخريجين والتي قد لا تسد خلال نصف قرن من الزمن مما يعني توجه الغالبية العظمى من هذه الندرة المتخرجة للقطاع الحكومي فمن المفترض السماح للصيادلة الحكوميين أسوة بزملائهم الأطباء التملك أو الإشراف على صيدليات حتى ولو بأعداد تنقص قليلا عن زملائهم المتفرغين تماما بل ومن المفترض أن يتم دعمهم وإقراضهم لمساعدتهم في مزاولة العمل الصيدلاني الأهلي احتراما لحقوق المهنة وحماية لحقوق المستهلكين وحفاظا على أخلاقيات المهنة التي بدأت فعليا بالاتجاه نحو الهاوية وهذا من شأنه أن يدفع العديد منهم للاتجاه في هذا المجال دون الحاجة إلى شريك مالي وهو ما يحدث الآن الأمر الذي يجعل من هذه العلاقة شراكة من الخارج أما حقيقتها الداخلية فهي تأجير للشهادة الجامعية التي حصل عليها هذا الصيدلي وضمانا لنسبة معينة حتى وان كانت هذه النسبة من الأرباح تتعارض مع أخلاقيات المهنة السامية حيث لا بد من معالجة هذه الظاهرة بكل شفافية وجرأة كما يمكن أن تتاح الفرصة والمجال لتكافل واشتراك أكثر من صيدلي في فتح صيدلية واحدة خاصة في ظل التكلفة العالية للصيدليات هذه الأيام.
أما من ناحية التلاعب بالأسعار من قبل هؤلاء التجار فلن تفاجأ أن تجد بعض المستلزمات عدا الأدوية في بعض الصيدليات المتجاورة قد يبلغ الفرق بينهما الضعف أو قريبا منه دون حسيب أو رقيب مما كذلك يعطي مؤشراً لنشوء سوق سوداء في المجال نفسه بين المناديب قد تحكمه وتحدده عوامل كثيرة يطول شرحها.
كذلك انتشرت ظاهرة تجزئة الأدوية وبيعها بالشريط أو حتى بالحبة! على الرغم من كون بعضها كالمضادات الحيوية لا بد من إكمال (كورسها العلاجي) الذي قد لا يكتمل إلا بالعلبة كاملة ومع هذا كله أصبحت ظاهرة التجزيء واضحة بل وأحد أساليب التنافس بين الصيدليات غير ما يحدث من تجاوزات في بيع الأدوية التي لا تصرف عرفا ولا نظاما إلا بموجب وصفة طبية إلا أن الحصول عليها هذه الأيام بات أسهل بكثير من الحصول على علبة لبن (خاصة بعد ارتفاع أسعارها الأخير!) فالجميع متوفر ومتاح بدءاً من المسكنات وليس انتهاء بمضادات الاكتئاب!!! ناهيك عن بعض الأدوية المحظورة والممنوعة والغير مسجلة والتي تباع وتروج من تحت الطاولة ويتزعم هذا التوزيع الصيادلة المتعاقدين والذين ركبوا موجة كفلائهم بالكسب بأي طريقة ولو على حساب صحة وأرواح المستهلكين, فهذا الصيدلي العامل في الصيدلية قد نسي أو تناسى الكثير من أخلاقيات المهنة وساعده على ذلك بعض الأنظمة التي باءت تطرح الثقة فيه وبأمثاله ولا يجد الرقابة الكافية فأصبح دوره داخل الصيدلية كتاجر مستقل عن مالكها إذ إن هناك نسبة كبيرة تبيع وتوزع المحظورات بغيبة من الرقابة وغفلة من المالك فبما أن لديه الخيار بأن يتفنن في الصرف بلا وصفة طبية أو رقابة داخلية فبإمكانه أن يصرف دواء قريب الانتهاء قد لبث في الرف لديه ردحا من الزمن أو أن يتجه للبدائل الدوائية المتوفرة لديه والتي قد يكون الهامش الربحي فيها أعلى لأنه في النهاية يبحث عن بيع ولا يجد رقابة من المالك نفسه وإن وجدت الرقابة فالمالك الغير متخصص قد تنطلي عليه الكثير من هذه الألاعيب دون علمه.
كما أن الصيادلة المستقدمين تتم امتحاناتهم في معايير مختلفة تماما عن المعايير التي يحتاجها فعليا الصيدلي الأهلي ومع ذلك فأغلب امتحاناتهم تتداول نسخا منها فيما بينهم قبل أي امتحان وبعد الاجتياز لا يوجد برامج علمية تدريبية لهم يجبرون على الالتحاق بها تفيدهم وتحمي المستهلك منهم كبرامج عن أخلاقيات المهنة وغيرها من البرامج ذات العلاقة وهذه الظواهر وغيرها ينبغي أن تنتبها الجهات المعنية فما العيب أن نستفيد من أبناء الوطن من الصيادلة القانونيين بتشجيعهم على دخول المجال أو حتى بالتعاقد معهم كمراقبين غير متفرغين خاصة أن الغالبية العظمى منهم قد أقصوا عنوة عن المجال فالنظام لا يسمح لهم بالاستثمار والجهات الرقابية لا تستعين بخدماتهم وهو ما دفع أن يكون حجم سوق المنشطات الجنسية لدينا إلى أن يصل إلى 150 مليون ريال في عام 2007 فقط!!!! مع توقعات أن يصل هذا الرقم المخيف إلى 200 مليون ريال في 2008 وهذه الأرقام والإحصائيات ما هي إلا تراكم ثغرات قانونية ورقابية وإخفاقات في وضع وسن بعض الأنظمة سمح لضعاف النفوس بالتوسع وممارسة تلاعبهم بلا خوف أو حياء وفعلا (من أمن العقوبة أساء الأدب) وكل عام وسوق منشطاتنا بنمو ورقابتنا في سبات وصيادلتنا القانونيون خارج الخدمة مؤقتا ومستهلكنا (مكره أخاك لا بطل).
Mhmd181@hotmail.com