في الوقت الذي تؤكد فيه هالة الناصر في كتابها (شهر زاد في الصحافة السعودية) أن الظهور الأول للمرأة السعودية في الصحافة كان للأستاذة لطيفة الخطيب في 22-1-1372هـ، وبعد كل هذه السنوات الطويلة منذ الظهور الأول ومرورا بمراحل تطور عمل المرأة السعودية في الصحافة.
إلا أن كثيرا من المفاهيم السائدة منذ ذلك الوقت والتي كانت الأستاذة هالة تسردها ضمن معوقات تقدم تميز الصحفية السعودية في مجالها، لاتزال موجودة ومتوافرة وربما تكون أقوى أثرا ومفعولا من ذي قبل، وهذا من دواعي الخوف من مستقبل الصحفية السعودية، كوننا نمر بمرحلة لم يسبقها مثيل من التقدم والتحضر وتنوع مصادر الثقافة والخبرة، التي من الممكن أن تطرد الممارسات أو القيم الفاسدة ليحل محلها قيم إيجابية، تسهم إلى حدود كثيرة في أن تنصهر الصحفية في عملها بدون (محاذير ومخاوف) قد يجبرها الواقع على التعامل من خلالها.
لن أسرد ما جاء في الكتاب الصادر في 2005م، لكنني أريد التركيز على محور هام وخطير، أدرجته الأستاذة هالة الناصر ضمن فصل (سمات وأسرار واقع الصحفيات) وتحديدا في الصفحة الرابعة التسعين.
تحت هذا الإطار تؤكد الناصر على أن نظرة الرجل السعودي للمرأة الصحفية يشوبها كثير من (النزعات والتحرشات أو المضايقات) من قبل زملائها ومن يعرفونها من خلال العمل الصحفي، وتشير إلى أن عددا من الصحفيات (استغللن) من قبل الرجال الذين يتعاملون بعين (الغريزة) فيجعلون من الصحفية الجميلة أو ذات الصوت الحسن فريسة سهلة المنال! ويأتي هذا من خلال إبداء الإعجاب بما تقدمه تلك الحسناء في مجال الصحافة، ومن ثم عرض المساعدة عليها واعتبار ذلك جسرا من جسور الوصول إليها، أو طعما مغريا يجعلها تقدم دون حذر!
ما دعاني للرجوع إلى كتاب (شهر زاد في الصحافة السعودية) هو أن هذه المشكلة وهذا العائق الكبير، وتلك الفجوة الواسعة بين الرجل والمرأة في الصحافة السعودية لا تزال موجودة، وربما تكون بشكل أكبر من الماضي، وهذا ما يجعلني في حيرة من الأمر! فبدأت أتساءل: هل هذه النية السوداء لدى بعض الرجال العاملين في هذا المجال، جعلت المرأة تضع الجميع في نفس كفة الميزان، وتتعامل معهم بنفس الحيطة والحذر؟ وهل لا يزال الرجل السعودي لا يجد ما يشبع نهم غرائزه إلا من خلال استغلال ظروف العمل والعلاقات المبنية عليها؟ وهل سنبقى طويلا على هذه الحال؟
أنا لم أعتمد إلا على دراسة ميدانية استهدفت من يكتبن بالأسماء الصريحة أو المستعارة، وبينت في الأخير نسبة وجود هذه النظرة تجاه الرجل والمرأة السعوديين في عالم الصحافة، لكنني أستند إلى (من أعرف منهن) ويؤكدن لي دائما من خلال بعض التصرفات أو من خلال المصارحة والوضوح أن هذه النظرة - مع الأسف - لا تزال موجودة، وأن في الوسط الذكوري من يستخدم مكانه ونفوذه كرجل من أجل الوصول إلى جسور أكثر ودية وعفوية من الصحفية أو الكاتبة!
والسؤال الأهم هنا: ما هو تأثير تلك النظرة المخيفة على الطرفين؟ هي بلا شك ستجعل أجواء العمل والتعامل مشحونة ومليئة بالشد والتوتر والخوف والحذر، وربما بناء حواجز من الأوهام خصوصا من قبل المرأة، تجعلها تنظر إلى الجميع بشيء من التوجس على الأقل، وهذا بالتأكيد يوقع الكثيرين من الشرفاء وأصحاب القيم الخالدة في دائرة ليسوا من أهلها لا من قريب ولا من بعيد، كما وأنه يعيق توسع نشاط المرأة في حدود ضيقة تخشى أن تتجاوزها فتتعرض لما لا تريد!
أقول في الأخير: لم نعد كما كنا، نحن الآن في زمان مختلف، وانفتاحنا على الفضاء الكبير يجب أن ينير عقولنا ويطرد الشوائب من فوقها، ويدعونا إلى أن نعمل مع بعضنا البعض في جو من الاحترام والثقة المتبادلة التي تريح النفس وتدفع للعطاء والإبداع، وإذا كنا مصرين على الاستمرار بهذه الطريقة من التفكير والسلوكيات فإننا سوف نبقى طويلا في مؤخرة الركب، وستظل نظرتنا تحت أقدامنا، في الوقت الذي تتسارع فيه خطوات العالم نحو الأمام.
زميلتي الكاتبة أو الصحفية، وزميلي الكاتب أو الصحفي، لنتصافح من جديد ونلبس ثياب الطهر والعفاف والشرف، ولنترفع عن الممارسات التي تسيء إلينا كمهنة ومجتمع ووطن ودين، وليكن الرقي شعارنا في كل المناسبات.
دعونا نتجاوز مرحلة التأخر التي تسيطر علينا في أمور كثيرة، تعالوا بنا ليسأل كل منا نفسه: هل أتعامل مع زميلتي أو زميلي بثقة واحترام ونزاهة؟ أم أنني أنظر إليه بنفس العين التي تحدثت عنها هالة الناصر؟!
وحين نقيم أنفسنا فإننا نستطيع الوصول إلى حلول تساهم في ارتقاء العمل.
naljouf@hotmail.com