يسهم في تشكل النمط الفكري عوامل عدة، منها ما يتم استقاؤه وفقاً لكينونة الإرث الثقافي المؤصل لاستمرار النهج على وتيرة متوازنة، ولاسيما إذا أرسى التوازن قياسات منضبطة في إطار المحافظة على القيم والمبادئ، كأسس لا يمكن المزايدة عليها أو إخضاعها للارتهان لخلل في طبيعة إدراك معانيها وأبعادها بمفهوم شامل، وتحوير السياقات المنطقية المنبثقة من مضمونها لأغراض قد تندرج عن حسن نية لعدم الاحتواء المعرفي والإلمام الشامل للمحتوى بكل ما تعنيه الشمولية من فهم واستيعاب، هنا يكرس الجزء الغامض وغير المعلوم، رؤية ضبابية تسهم في خلخلة مستوى الاتزان، وبالتالي القفز على المعنى، فيكون عرضة للاستغلال الفكري والاستلاب المعنوي في ظل انتفاء عنصر الإحاطة بهذا الخصوص، وقد يكون الغرض من تحوير السياقات الدلالية عن سوء نية، واستثمار التداخلات التي يكتنفها عسر الفهم لأغراض دنيوية، ولا تعدو عن كونها انتفاعاً لتحقيق مآرب ومصالح معينة، ولتحرير المفاهيم من هيمنة النمط المفتقر إلى الدقة فإن ذلك يتم من خلال محاربة الجهل المعرفي ومواجهته بضخ مزيد من الجرعات المستنيرة، إذ يعتبر الجهل آفة تستعصي على العلاج، إلا بمكافحته الدؤوبة من خلال نشر العلم والمعرفة، ويعتبر استثمار الجهل، واستغلاله لتحقيق مآرب نفعية معضلة أخلاقية بكل المقاييس، وهذه مشكلة انفصال الأخلاق عن العلم، فكما أن هناك علماً ينتفع به، يوجد علم يسوق الضرر طبقاً لاختلال في المعايير الأخلاقية، الكفيلة بتشكيل الإطار المنظم والمنتظم للعلم غير أن قوة تأثير المتعلم على الجاهل، وتأثر الجاهل بهذه القوة، لا يمكن بحال من الأحوال الحد من آثارها السلبية، حيث إن السيطرة ستكرس بطبيعة الحال، التبعية وسهولة الانقياد، وبالتالي تحريك تلك الأدوات بمعزل عن إيمان رادع وأخلاق تصون كرامة الإنسان وعزته، ولا ريب أن الإفراط أحد العوامل التي يجيد هؤلاء المستثمرون الطالحون كيفية استغلالها، بغية ترسيخ السيطرة من تجييش للعواطف مروراً بغرس الشعور بالذنب لدى المتلقي، ووصولا إلى التضخيم وتفخيم مكانة المتعلم في هالة إعلامية لا تعدو عن كونها طعماً لاصطياد السذج كبنية لمشروعاتهم والسيطرة على عقولهم، إن من يستغل علمه لإلحاق الضرر بالآخرين، لا حاجة للناس في علمه، فإذا انتفى النفع بالعلم، فإن الجهل به أرحم، وكما أن هناك فئة قليلة بخست مبادئها، ونحرت قيمها، قرباناً للمصالح الشخصية فإن هناك الكثير ولله الحمد تتوهج ضياء مشعاً وورعاً يتحلى به ذوو القلوب الأصيلة والبصائر النيرة التي تخشى الله، والله أحق أن تخشاه في نشر العلم والمعرفة بتواضع لا يعرف الرياء وإخلاص لا يعتريه النفاق ومخافة ممن علم الإنسان ما لم يعلم، إن الفارق بين الفئتين يكمن في استشعار الأمانة الملقاة على عواتق المتعلمين وأدائها على الوجه الأكمل، في حين إن تجاوز النمطية في نشر العلم والمعرفة وعدم حصر العلم في نطاق ضيق واختزاله في جانب معين دون مراعاة الجوانب الأخرى بات أمراً حتمياً، ولاسيما وأن الظروف تتغير من مرحلة إلى أخرى، ولا ريب أن اتباع هذه الأساليب المغرقة في الاتجاه الواحد والبعيدة عن مجاراة الواقع، في ظل غياب التنوع في الطرح، وتحييد الجوانب العلمية والتي تعنى بالاقتصاد، والفلك، والطب، والفيزياء، والكيمياء، وعلم الاجتماع والإدارة وغير ذلك من العلوم من خلال الرؤية الشاملة، وفي إطار المحافظة على المبادئ النبيلة للتعاطي مع متطلبات العصر، سينتج أجيالاً تفتقر إلى المهارات الإدارية، والتأهيل المعرفي على أسس علمية تواكب متطلبات العصر، لذا فإن التنوع في الطرح سينعكس إيجاباً في إثراء الثقافة وسيسهم في تأسيس بنية فكرية مستقلة صلبة تستعصي على الاستمالة والاستغلال ونحو ذلك.
Hamad_vemco@hotmail.com