تعتبر الفنون والآداب هي المقياس الأول الذي تقاس بها الحضارات, حيث يحدد من خلالها المدى الذي وصلت له الشعوب من التحضر والمدنية. يقول المفكر الإسلامي روجيه غارودي (إن الفن وليس المادة والآلة هو المقياس لتطور الإنسان ورقيه).
ولو تتبعنا المساحة التي تراوح بها الفنون على المستوى المحلي لوجدنا أنها على الكثير من الأصعدة ما برحت تراوح في المرحلة الشفوية, حيث يتقلص الفعل الثقافي وينزوي بين أبيات قصيدة جاهلية تكاد تتطابق مع قصائد المعلقات الجاهلية التي تقف على الأطلال وتصف الناقة ومن ثم تنتقل لبقية أغراض القصيدة تماماً كقصيدة طرفة بن العبد وهو يصف ناقته:
كأن كناسي ضالة بكنفانها
وأطر قسي تحت صلب مؤيد
لها مرفقان أفتلان كأنما
تمر بسلمى دالح متشدد
كقنطرة الرومي أقسم ربها
لتكتفن حتى تشاد بقرمد
وهل قصيدة (الناقة) لشاعر المليون التي توجد في كل (بلوتوث) جوال خليجي سوى أحد الترددات والأصدية للقصائد الجاهلية.
وفي هذا المجال نرجع إلى (تاريخية الأدب)، ففي كثير من الأحيان ترجع جمالية النصوص إلى جماليات مؤسسة قبلياً في الذاكرة الجماعية, دون أن يحدث انقطاع إبداعي يخلخل ذاكرة التواتر في الذائقة. ومن هنا تلقى الكثير من القصائد شعبيتها ورواجها عبر التناص مع نصوص سابقة وتراثية ترتكن في زوايا الذاكرة وتحجب عن أفق المتلقي التفاعل مع المغامرات الإبداعية الجديدة, المخلخلة للنمطية الذائقة.
يقول الشاعر المحلق المبدع (محمد الثبيتي) في قصيدته الشهيرة:
اقبلوا كالعصافير يشتعلون غناء
كيف اقرأ هذه الوجوه
وفي لغتي حجر جاهلي؟
الذائقة ما برحت تراوح في المرحلة الشفوية للفنون والآداب, ولم تتجاوز المرحلة النفعية إلى الجمالية, هناك مدن وميادين ومباني, وهناك شوارع فسيحة وممهدة, وبشر يتجولون بين هذا كله, لكن الذائقة ما برحت تعاني من حجر جاهلي.
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة
SMS
تبدأ
برقم الكاتب
6287
ثم إلى الكود
82244