حرصت على أن أطرح معاني متعددة لمفهوم ثقافة الوقاية وذلك لما لمسته من إيجابيات من عدد المهتمين للمقالة السابقة. ودعوني أؤكد ابتداء بأن قدرة العقل على استدراك الأبعاد لكل قضية تختلف من شخص لآخر وذلك حسب صفات متعددة منها الخبرة والجرأة والحكمة والقدرة العلمية...
وقد أعجبني لما كنت أدرس في أمريكا عقلية مسلم جديد كنت سألته (ما الذي تستشعره بعد أن كنت مسلما؟).. وما شدني قوله (إنني لم أكن مجتهدا في دراستي وعلمني هذا الدين الجديد أن عواقب ضعفي وعدم جديتي سوف تنعكس مستقبلا على وظيفتي وأولادي.. قلت: كيف؟ قال: حينما أحصل على درجات عليا يعني أنني سأحصل على وظيفة أرقى ومال أكثر وهكذا أؤمن مستقبلي وأسرتي!!).. إنه تفكير راق في وقاية المستقبل من ذل الحاجة والفاقة نتعلمها من هذا الموقف الذي دعاه إليه ديننا الحنيف.. إنها فعلا ثقافة الوقاية.
إن من مشكلات (العقل الجمعي) لدينا أن هناك شخصيات منا تحب الاسترخاء والمتعة لجسدها مما أثر على عمل العقل لديها فأصبح محبا للاسترخاء وعدم التفكير والتحليل وبالتالي يريد أجوبة جاهزة حتى لو تكرم بالسؤال لما يهمه من شأن دينه أو دنياه. وهذه النوعية من الناس لا تلقي بالاً للاحتياجات اليومية المهمة فضلا عن دعوتنا للاهتمام بالثقافة الوقائية المستقبلية.
ولعلي هنا أسرد أمثلة مهمة لحاجتنا لثقافة الوقاية وتفعيلها في مجالات حياتنا المختلفة - إضافة لما ذكر سابقا - وهنا أتحدث عن وفيات تحصل وكثيرة في طرقاتنا الداخلية والسريعة..
ولست هنا أريد الحديث عن إشكاليات السرعة بسبب جوانب التخلف في الالتزام بالقوانين.. ولكني أؤكد على أهمية أن نؤهل رجالات الأمن والمرور والطرق السريعة بدورات تدريبية في الإسعافات الأولية.. وأن يكون لدى رجالات المرور والحركة الأمنية اليومية مختلف أدوات السلامة والإسعافات الأولية..
ذلك أن قرب رجال المرور وأمن الطرق من الحوادث وطبيعة عملهم تقتضي أن يكون لديهم أدوات إسعاف حتى يتمكنوا من عمل اللازم حتى يأتي رجال الإسعاف المتخصصون ليقوموا بأدوارهم.
وهنا دعوة إلى قطاعات الأمن بتأهيل الشريحة التي تباشر عمل المرور والطرق السريعة بدورات في الإسعافات الأولية وتوفير أدواتها في سيارات الأمن ليقوموا بالإجراءات الأولية لأي حادث يحتاج إلى إسعاف وبهذا يمكن أن نقي بإذن الله أنفسا كثيرة من الموت أو الإعاقة.
واسمحوا لي أن أركز على هذا البعد الوقائي المهم وأذكر ما لفت نظري مرة حينما كنت أسيح مع زملاء لي في عطلة دراسية بين الولايات الأمريكية وقدر الله حادثا كبيرا حينما تساقطت الثلوج على الطرقات.. والموقف الذي أعجبني هو أنه وبعد وقوع الحادث بوقت يسير وإذا بسيارات ورجالات يسعفون الجرحى وهم يرتدون زيا محليا ولكن لديهم بطاقات تطوع لهذا العمل في الأماكن التي يسكنون فيها. فيأتي ويعرف بنفسه حتى يطمئن الناس ليتركوا له المجال ليقوم بالإسعاف.. وليت (القوم هنا) يعطون المجال حتى للمسعفين الرسميين دون أن يزاحموهم في تأدية واجبهم الوطني.
إنها لفتة جميلة أن يكون لدينا متطوعون ولو برسم أحيانا في عدد من القرى والطرق السريعة ولديهم وتأهيل في كيفية الإسعاف الأولي لحوادث الطرق.
بل يمكن أن نستثمر أصحاب سيارات ما تسمى (بالسطحة) والتي تنقل السيارات المتعطلة لنؤهلهم على دورات إسعافية وندفع لهم مقابل الحالات أو أجور شهرية رمزية ليقوموا بأدوار تخفف الضغط من جهة على سيارات الإسعاف وتقلل بإذن الله من المصائب المحتملة من جهة.. وتفيد هؤلاء ماديا وترفع مستوى الحس الوطني لديهم من جهة أخرى (وهذا المقترح آمل أن تأخذ الجهات المعنية به).
وأجد في الحقيقة أن مجالات الحديث عن ثقافة الوقاية تتداعى كثيرا في خاطري ولكن خوفي من الإطالة وحرصي من وقاية عدم القراءة يرغمني أن أقف هنا وأترك مجالات التفكير في هذا البعد المهم لكل مهتم ليناقشه مع نفسه وأهله ورفاق عمله.. لنؤسس سويا لوقاية أنفسنا ومجتمعنا ومستقبلنا ولننعم سويا بالسعادة والأمن الاجتماعي.
عميد عمادة خدمة المجتمع بجامعة القصيم