Al Jazirah NewsPaper Wednesday  27/02/2008 G Issue 12935
الاربعاء 20 صفر 1429   العدد  12935

الشباب وروح التضحية
سلامة بن هذال بن سعيدان

 

إن شباب الأمة هم عماد مستقبلها ومحط أملها، وبفضلهم تحتل مكانها المناسب بين الأمم، وزمن الشباب هو زمن البطولات والأمجاد، ومن لم يصعد نجمه ويشتهر اسمه في باكورة شبابه، وريعان عمره وعنفوان أمره، فلن يتحقق له ذلك في كهولته، وكما قال الشاعر:

إذا لم تحاول في شبابك غاية

فيا ليت شعري أي وقت تحاول

وكم من شباب ضاع في غير طائل

فشاب أخوه وهو في الناس جاهل

وبالطبع فإن زمن شباب الإنسان هو الزمن الذي يألف فيه ركوب المصاعب ويستعذب فيه المتاعب، مستهيناً بما يكابده من نكد، ويواجهه من تحديات، الأمر الذي يجعل هذه المرحلة العمرية جديرة باهتمام الأمم ورعايتها، حيث إن الشباب هم الذين تعقد عليهم الشعوب آمالها، وتنظر من خلالهم إلى واقع حالها ومستقبل مآلها، بفضل ما يتحملونه من مسؤوليات عظام ويضطلعون به من مهام جسام يتوقف عليها استقرار حياة هذه الشعوب وازدهارها واستمرارها.

وزمن الشباب لا يقتصر على أنه فترة زمنية من عمر الإنسان، بل هو شعور في الوجدان، وتوقّد في الذهن، وحماس في المعنويات، وقوة في العزيمة، وصلابة في الجسم، وقد يمتد هذا الزمن أو يقصر على ضوء استمرار معطياته أو تعثرها، وتجدد صفاته أو اندثارها، ومحدودية منغصاته أو زيادتها، وأجمل ما يزين ذلك أن يجمع الشاب بين نشاط وحكمة كبير السن، محافظاً على هذا النشاط كلما تقدم به العمر في الوقت الذي تزداد فيه خبرته وتجاربه، وكما قال الشاعر:

وهدي التجارب في الشيوخ وإنما

أمل البلاد يكون في شبانها

والشباب الواعد يضمن لأمته المقاصد، ويكون له مع الإنجازات مواعد شاهدة له شمائل الصلاح ومخايل النجاح، بما يسمو به إلى مستوى الكبار ومراتب الأخيار، جامعاً بين قوة الشباب وإقباله وبين رجاحة العقل واكتماله، واضعاً في اعتباره قول الشاعر:

ليس الفتى لا يستضاء به

ولا يكون له في الأرض آثار

والواقع أن الشباب الطموح تتجسد فيهم آمال الأمة وتنبعث عنهم القوة الدافعة لها نحو تطلعاتها وطموحاتها، موقظين لها من غفلتها، وناهضين بها من كبوتها، بما يجعلها قادرة على وصول أهدافها وبلوغ غاياتها، إذ إن قوة الأمة واستقرارها واستمرار ازدهارها يعتمد على ما يتحلى به شبابها من فضائل، ويتصف به من قوة إرادة ومضاء عزيمة، بوصف الشباب يجدد شباب حياة الأمة، ويدفع قافلتها إلى الأمام، متحدياً الركود والجمود، ومحطماً القيود والسدود.

فمن يشعل في الأمة جذوة التحدي، ويدفعها إلى قبول التضحيات غير شبابها المؤمن بأهدافها، والمتهم بقضاياها، والمشغول بشؤونها وشجونها، ذلك الشباب المحافظ على دينه وقيمه، والمتسلح بسلاح العلم والمعرفة, والذي يتطلع إلى المعالي ولا يعرف المستحيل، منطبقاً عليه قول الشاعر:

ولا تخش أن تظمأ إذا عنّ مورد

فما كل ماء بالبسيطة آل

ولا تبغ أوشال القناعة إنها

لباغي المعالي غصة وعقال

والجهود التي يبذلها الشباب عادة ما تأخذ طابع التضحية لما يتحلى به هؤلاء الشباب من جسارة، وما يغلّف نشاطهم من حماس، ويدفعهم من رغبة أكيدة، تنطلق من نظرتهم إلى المستقبل، وتتفق مع ما يحدوهم من أمل، وإذا ما توّجت الجسارة وغذّّي الحماس بقوة التحمل والمثابرة، تكلّلت الجهود بالنجاح وتحوّلت إلى تضحية بفضل دأب الشباب وصلابته.

وبما أن هناك من يقول: إن الشباب خلق والبطولة توأمان فإنه إذا ما توفرت للشاب حكمة الشيوخ علاوة على قوة الشباب وعلو همته جمع بين الحسنيين، مضيفاً مزية العقل إلى قوة العضل، وثمرة التجارب إلى جوهرة المواهب، مع السعي الجاد لإشادة الشرف ومبرة السلف، مقدماً الشجاعة على التهيّب، ومغلّباً الإقدام على الإحجام، ومفضلاً البطولة والتضحية على الراحة والدعة. والشاب المتشايخ يحمد على ذلك ويُعدّ له منقبة، في حين أن الشيخ المتصابي يذم على هذا الصنيع ويحسب عليه مثلبة.

والشباب هم الذين يعوّل عليهم أكثر من غيرهم في الأمور التي تتطلب مهارات عضلية وجسارة تنفيذية، لا تتلاءم مع تحفظ الكبار ونظرتهم التقليدية، كما أن الأمم بقدر ما تعتمد على قادتها وعلمائها وحكمائها وجميع فئاتها المتخصصة في رسم معالم مستقبلها وتحديد متطلبات القادم من أجيالها، بقدر ما تضع ثقتها في شبابها الواعد وجيلها الصاعد للمحافظة على صحة التنفيذ وإدخال النظم المتطورة التي تواكب روح العصر وتخدم المستجدات المستقبلية.

ونظراً لما عاناه كبار السن من التجارب، وما مر بهم من المواقف، وكذلك ما عرفوا من زينة الدنيا وذاقوه من طعم الحياة، وما تعنيه لهم من المجبنة والمبخلة، إضافة إلى ما لديهم من مشكلات، وما يخضعون له من قيود ومعوقات، فإنهم يحجمون عن الاندفاع نحو بعض الأمور، ويظهر عليهم التردد حيالها، لاعتبارات دنيوية وأخروية، جسدها أمامهم كبر السن وشبح الشيخوخة من جهة، وحب البنين والمال من جهة ثانية. وهو أمر جعلهم ينظرون إلى البطولات والتضحيات بمنظار سلبي يختلف عن النظرة الإيجابية التي ينظر بها الشباب إلى ذلك. وقد قيل لأحد الحكماء: ما بال الشيوخ أحرص على الدنيا من الشباب؟ قال: لأنهم ذاقوا من طعم الدنيا ما لم يذقه الشباب، وقد قيل: الشيخ شاب في حب اثنتين طول الحياة وحب المال.وينبغي ألا يغرب عن البال أن نظرة الشباب إلى الحياة ونقص الاكتراث بحطامها وقصور الفهم لكنه زينتها والتطلع إلى الشرف والمجد، كل ذلك يدفعهم إلى التضحية في سبيل الدفاع عن الدين والوطن والسهر على أمن الأمة، بل إن حماية الأوطان والاستبسال من أجل أمنها وأمانها، يمثل أسمى هدف يلتقي عنده الآباء والأبناء، ويحمل في طياته اعترافاً من الخلف بمآثر السلف وأمانة يتسلمها جيل من جيل.

وروح الشباب المتحدية واحتقان مشاعرهم ضد الأعداء أينما وحيثما كانوا حتى تؤتي ثمارها وتطرح مردودها، لا مندوحة من أن يصحبها إجراء وقائي وتحصين فكري ضد دعاة الضلال ومثيري القلاقل والفتن، وأن تستغل القيادات وكبار السن هذه الروح على النحو الذي يحفظ استقرار الأمة ويصون كرامتها ويضعها في مكان الصدارة بين الأمم.

ومهما كانت مواقع العمل التي يشغلها الشباب، ويخدمون الأمة والوطن عن طريقها في المجال المدني أو العسكري أو على مستوى القطاع العام أو الخاص، فإن الجهود التي يبذلونها ينبغي أن تكون دائماً على درجة من النشاط والفاعلية، منسجمة مع روح التضحية، ورافضة القبول بأنصاف الحلول أو الاكتفاء بالحد الأدنى من أداء الواجب.

وحتى يتحقق لهم ذلك يتطلب الأمر من الأمة الحرص على تربيتهم وإشغال فراغهم بتأهيلهم مبكراً، وتوفير متطلبات الحياة الكريمة لهم، بغية الارتقاء بهم إلى المستوى الذي يستطيعون من خلاله إظهار الروح الوثابة والكشف عن مكامن القوة ومواطن التضحية التي يتمتعون بها.

وإذا كانت السيادة والتطلع إلى القيادة من الحوافز التي تبعث في الشباب روح التضحية، فإن مقتبل العمر وجدته هو الوقت المناسب للتدرج في مدارج السيادة وتسنم مناصب القيادة، ومن لم يحصل على شيء من ذلك في مستهل حياته وربيع عمره فلن يحصل عليه إذا تقدم به الزمن وبلغ من العمر عتياً، مهما عاش في كنف التجارب وعاصر الأحداث، وقد قال الشاعر:

إذا المرء قصّر ثم مرت

عليه الأربعون من الرجال

ولم يلحق بصالحهم فدعه

فليس بلاحق أخرى الليالي

وليس بزائل ما عاش يوماً

من الدنيا يُحطُّ إلى سفال

وحقيق بالخلف ترسم خطى السلف ومواصلة مسيرته، مدركاً ما شيدته الأجيال السابقة من الصروح السامقة التي تعمرها المبادئ والفضائل وتحرسها السواعد القوية بدينها وعملها والتي ما كان لهذه الأمجاد أن تكون لولا البطولات والتضحيات التي بذلها الأجداد حتى أصبح الطريق معبداً والبناء مشيداً، والآن أصبحت المحن منحاً والنقم نعماً يتفيأ ظلالها الكبار والصغار، ناذرين أنفسهم لصيانة الإنجازات وحماية المكتسبات وتسليمها لمن يخلفهم من الأجيال اللاحقة.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد