أحوال المعرفة).. عنوان بارز وسط واقع قد لا يعطي الكثير من الأهمية للمعرفة والثقافة، إلا أنه يحترمهما.. وأول ما يلفت النظر في المجلة هو اسمها؛ فقد تم اختياره بعناية بمعرفة رجال احترفوا الثقافة والفكر، فجاء الاسم وصفاً دقيقاً لواقع حال المجلة وهدفها الأسمى في تلمس أحوال المعرفة واستشراف مستقبلها.. وحيث إن المؤسسة الثقافية القائمة على إصدار المجلة هي مكتبة الملك عبدالعزيز العامة والتي تعتبر أحد أهم مصادر المعرفة في العالم العربي.. فإن دور المجلة المتوقع منها والذي أنشئت من أجله ألا يقتصر على تلمس أحوال المعرفة، بل ينصب بصفة رئيسية على خدمة المعرفة بجميع فروعها وميادينها.. فتكون دليلاً للساعين إلى طلب المعرفة، ووجهة للراغبين في الاستزادة من مناهل الثقافة العامة، ومسانداً للصاعدين في مراقي الإبداع.
إن التواصل الثقافي والفكري الذي أحدثته مجلة (أحوال المعرفة) في الأوساط الثقافية.. وما قدمته من عطاء متواصل وعمل دؤوب على تبليغ رسالتها عبر رحلتها الطويلة جعل منها واحدة من أهم أدوات التأثير الثقافي والمعرفي العربي طوال سنوات مسيرتها.
هذا من ناحية الأهداف العامة للمجلة التي حققتها والتي يجب أن تستمر في تحقيقها.. أما عن شكل المجلة ومضمونها الذي يوصلها ويوصلنا معها إلى تلك الأهداف ففي مجملهما شكل جميل ومضمون أجمل، ولكن ازدحام الغلاف بالعناوين والتنويهات جعلها تبدو وكأنها مجلة تسعى لاقتناص القارئ واستمالته في سباق المجلات التي تستهدف الربح.. بينما تشق (أحوال المعرفة) طريقها إلى قلوب وعقول محبيها دون حاجة إلى الاستمالة خاصة وأنها تصدر عن مؤسسة غير ربحية.. إضافة إلى أنها وإن كانت متاحة لكل من يريد أن يقتنيها إلا أنها مجلة نخبوية يطلبها قارئها ويسعى لاقتنائها.
أما عن المضمون- وهذا رأيي الشخصي- فإن تبويبها الحالي يحقق الهدف الذي صدرت من أجله والذي يتمثل في خدمة الكتابة والتأليف والنشر والقراءة، إلا أنني أحبذ أن تدعم فكراً وأن تتبنى رأياً أو خطاً فكرياً محدداً؛ فهي تحرص على التوازن بين التيارات الفكرية والثقافية إلى درجة عدم التطرق لها ناهيك عن مناقشتها أو تحليلها.. هذا التوازن أوقعها من حيث لا تريد في الحيادية المتشددة أو الرمادية التي تصل في بعض الأحيان حد السلبية تجاه ما يزخر به واقع المجتمع السعودي اليوم من حراك فكري وثقافي، وهو أمر لا يعيبها من الناحية المهنية المعرفية، ولكن الحيادية في مجتمع ديناميكي كالمجتمع السعودي يجعل أية مطبوعة خارج نطاق التأثير الاجتماعي، فلا نستطيع أن نتصور مجلة تمثل مؤسسة ثقافية عملاقة ليس لها دور فاعل في تنشيط وتوجيه وتنوير الحراك الاجتماعي بكل جوانبه الثقافية والفكرية والعلمية.