كثيراً ما كانت تتبادر إلى ذهني وأنا أسمع بعمليات زرع القلب أسئلة تدور حول العواطف والأحاسيس والمعتقدات التي مكانها (القلب) هل تتأثر بهذا؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه أمراً عضوياً؟ فكل ما يتعلق بالقلب من هذا الجانب يراد به (الروح المعنوية)؟ ولماذا حدد الله سبحانه وتعالى مكان القلب في الآية التي تأمرنا بالسير في الأرض
والتفكر والإبصار في قوله تعالى {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (46) سورة الحج. أليس في هذا دلالة على أن المقصود بالتفكر والإيمان هو هذا القلب المحسوس؟ ثم هل القلب -حينما يعتقد بهذه الأشياء- يتلقى أوامره من الدماغ؟ أم أن القلب ذاته منبع التفكير والاعتقاد؟ فالله سبحانه وتعالى يقول {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء} (125) سورة الأنعام. وكما أشار ابن كثير في تفسيره فقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا الشرح فقال: (نور يقذف في القلب)، وكل هذا يقودنا إلى سؤال آخر: أين هو العقل؟ هل هو في الكتلة الموجودة في تجويف الرأس المسماة (بالدماغ)؟ كما يعتقد جل الناس؟ أم هو أنه في المضغة الموجودة في الصدر المسماة (بالقلب)؟ ولماذا قال الله سبحانه وتعالى: {قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} (46) سورة الحج.
وللبحث عن إجابة لهذه التساؤلات قرأت كل ما وقعت عليه يدي فيما يتعلق بالقلب وزراعته لعلي أصل لمعين يروي عطش هذه الأسئلة، فكان أجمل ما قرأت دراسة الباحث الإسلامي (عبدالدائم الكحيل) التي تناولت موضوع (القلب وإدراكه)، والتي ساق الباحث فيها حول هذا الموضوع الكثير من الاستشهادات والحقائق، وما يدعم ذلك من الأدلة القرآنية العظيمة التي تؤكد إعجاز هذا الكتاب الكريم، حيث أشار أن كل ما يتحدث عنه العلماء اليوم حول القلب وما يحيرهم قد ذكره القرآن بشكل مفصل ودقيق يثبت إعجازه الذي يحتاج منا إلى تدبر وتفكر.
ومن تلك الحقائق التي ساقها الباحث: أن كثيراً من العلماء يعتقدون أن الدماغ هو الذي يرسل الإشارات التي تنظم نبضات القلب، إلا أنهم لاحظوا في عمليات زرع القلب أن القلب يبدأ بالنبض قبل أن يعطيه الدماغ الأمر بذلك!.. بل إن بعض العلماء يؤكد أن القلب هو الذي يوجه الدماغ في عمله، وأن للقلب (عقل) خاص به، وذاكرة تحفظ الكثير من تاريخنا، فيه أكثر من أربعين ألف خلية عصبية تعمل بدقة متناهية في تنظيم النبضات وإفراز الهرمونات وتخزين معلومات تلعب دوراً مهماً في عمليتي الفهم والإدراك، أي أن للقلب (عقلاً) يفهم ويدرك ويدفق كل هذا الفهم والاستيعاب إلى الدماغ، وهذا ما ذكره الله تعالى في قوله {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} (46) سورة الحج.
وهذا يقودني إلى ذكر مقال كنت قرأته لكاتبه زهير قوطرش بعنوان: (هل للإنسان عقل أم عقلان) أشار فيه إلى قول بعض العلماء من أن القلب يتصل بالدماغ بوسائل منها الوسيلة العصبية والهرمونية وهي مكونة من أربعين ألف خلية تشكل في مجملها (دماغ القلب). وقد وجد هذا العالم أن القلب يظل ينبض لقرابة أربع ساعات بعد انفصاله عن الجسد لأن هناك عقدة معروفة بالعقدة العصبية مستقلة عن الدماغ هي المسؤولة عن تنظيم النبضات عصبياً.
وبالعودة إلى الباحث الكحيل فقد ذكر من الاستشهادات أيضاً عن فهم القلب وإدراكه ما ذكره من أن العلماء قد أكدوا أن الإنسان عندما يكذب فهو يخالف ما في قلبه لأن (القلب) يخزن المعلومات الحقيقية والصادقة، وهذا ما ذكره الله تعالى في قوله {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} (11) سورة الفتح، لأن مركز الكذب في الدماغ كما اكتشف العلماء هو منطقة (الناصية) -أعلى مقدمة الدماغ- واللسان هنا عندما يكذب إنما يتلقى أوامره من هذا المركز الذي أشار الله تعالى إليه في قوله {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} (16) سورة العلق.. والناصية: هي مقدمة الرأس كما ورد في لسان العرب لابن منظور.
ومما ذكرته هذه الدراسة: تلك المشاهدات التي شاهدها الأطباء بعد إجراء عمليات زرع القلب: فقد قام عدد من الأطباء بزراعة قلب لفتاة كانت تعاني من اختلال في عضلة القلب، وبعد العملية كانت هذه الفتاة تحس كل يوم أن شيئاً يصطدم بصدرها، فأخبرت طبيبها بذلك فقال لها بداية الأمر أن هذا ربما كان من تأثير الأدوية لكنه تبين فيما بعد أن صاحبة القلب الأصلي صدمتها سيارة في صدرها وأن آخر كلمة نقطت بها هي: أنها تحس بألم الصدمة في صدرها! وهذا يؤكد تخزين القلب لكثير من الأحاسيس.
كذلك عملية زراعة قلب تمت لطفل في التاسعة من عمره من طفلة غرقت في مسبح وتوفيت فتبرع أهلها بقلبها، وبعد عملية الزرع أصبح الطفل خائفاً جداً من الماء ويكرر على والديه عبارة (لا ترموني في الماء)!كما أشارت الدراسة أن كثيراً ممن زرعت لهم قلوب اصطناعية فقدوا الإحساس والعاطفة فقد ذكر الباحث أن جريدة Washington Post نشرت تحقيقاً صحفياً في 11-2-2007م حول رجل أجريت له عملية زراعة قلب صناعي يقول بعد العملية: إن مشاعري تغيرت بالكامل، فلم أعد أعرف كيف أشعر أو أحب، حتى أحفادي لا أحس بهم ولا أعرف كيف أتعامل معهم، بل عندما يقتربون مني لا أحس أنهم جزء من حياتي كما كنت من قبل، بل إنه ذكر أنه فقد كثيراً من اعتقاداته الروحية.
والكثير من الحقائق والأمثلة ساقتها الدراسة، جعلتني وأنا أقرأ كل هذا أستشعر قول الله تعالى {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}
(85) سورة الإسراء، وأتذكر حديث الرسول
الكريم صلى الله عليه وسلم: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب). متفق عليه.
almdwah@hotmail.com