هذا المقال مختصر لمقال سبق أن نشرته في هذه الزاوية قبل سنوات قليلة أعيده لأهميته وأظن أني سوف أعيد نشره في المستقبل إلى أن تطال الأنوار بعض العقول الساذجة.
يعد كتاب مطارق السحر لمؤلفيه: يعقوب شبرنغر وهنري انستيتوريس من أهم الكتب التي صدرت في العصور الوسطى. وقد عد من أهم المراجع إن لم يكن أهم المراجع التي اعتمدت عليها محاكم التفتيش في تعريف السحر والتعريف بالساحر وكيفية عمله والتعريف بالطرق التي يكتشف بها رجال محاكم التفتيش السحرة وطريقة التحقيق معهم حتى إنزال العقوبة بهم. ليس غريبا أن يكون هذا لكتاب بهذه الأهمية إذا عرفنا أن يعقوب وهنري كانا من أشاوس أعضاء محاكم التفتيش. يكفي أن الملك مكسيميليان الأول ملك النمسا قد خصه بمديحه واعتبره أعظم كتاب ضد الخرافة والسحر.
هو في الواقع كتاب يؤصل الأفكار الخرافية ويكرسها في نفوس العوام وفي نفس الوقت يعلن الحرب الضروس عليها. قد يبدو الأمر متناقضا ولكنه في واقع الأمر في غاية الانسجام. فتقنية رجال محاكم التفتيش ورؤسائهم من رجال الدين وقساوسة للسيطرة على عقول الناس تقوم أولا على الترويج لكل الخرافات المرتبطة بالسحر وغيره ودعم صحتها ثم تقوم في نفس الوقت بمحاربة من تدعي أنهم سحرة وهي بهذا تعمل على تكريس اتجاهين الأول تكريس الخرافة في نفوس الناس ليتمسك الناس بهم ويعادون التنويريين والعقلانيين ثم يعقب ذلك تكريس سلطتهم على الناس عبر مكافحة الخرافة بترويع الناس وملاحقتهم وإذلالهم ليصبح رجال الدين في النهاية سادة الناس عقلا وجسدا.
المرأة كما يرى مؤلفو الكتاب هي دائما مصدر الشر وبالتالي إذا اتهمت أي امرأة بتهمة السحر فلن تنجو أبدا مهما كانت اتجاهات التحقيق. (إذا كانت المرأة قبيحة المنظر فهذا دليل على صلتها بالشيطان أما إذا كانت جميلة فهذا أكبر دليل على أن الشيطان وضعها بهذه الصورة ليبعد عنها الشبهة. أما إذا ظهر على المرأة الرعب أثناء التحقيق فإن هذا دليل على تلبس الشيطان بها. أما إذا كانت موقنة ومصرة على براءتها ومظهرة الهدوء فإنها دون شك تكون ساحرة لأنها تعرف أن الشيطان سوف ينقذها. أما إذا دافعت عن نفسها ضد التهم الموجهة إليها فإن هذا دليل كبير على جريمتها، أما إذا أصرت على التزام الصمت وعدم الإجابة عن ما يوجه إليها من أسئلة فإن هذا دليل مباشر على جريمتها أما إذا جالت بعينها أثناء التعذيب هنا وهناك فهذا يعني أنها تبحث عن الشيطان لينقذها أما إذا حدقت بشدة في مكان واحد فإن هذا يعني أنها رأت الشيطان وحدقت به. أما إذا كانت من النوع الذي يتحمل فظاعات التعذيب فمعنى هذا أن الشيطان يمدها بأسباب القوة والصبر. أما إذا أسلمت الروح أثناء التعذيب فمعنى هذا أن الشيطان قد قضى عليها بنفسه).
المرأة في نظر رجال الدين والأشاوس من رجال محاكم التفتيش هي أصل البلاء. يجب عدم الرأفة بها.
وكما هي العادة في كل العصور وجد في عصر الظلام في أوربا من يدين أعمال القساوسة ورجال الدين ومحاكم التفتيش وينتصر للعقل والحكمة والإنسانية.
لكن هذا النوع من الإدانة أو المقاومة يعد تشويشا وإساءة لرجال التفتيش الأفاضل وصدهم عن القيام بواجباتهم الدينية. وقد أصدر الباب اينوسنت الثامن قرارا أشار فيه إلى وجوب عدم نقد محاكم التفتيش أو توجيه أي نقد لأعمالها ويجب أن يعلم كل من يقدم على ذلك أنه يقاوم أمر الله ويرتكب المعاصي. وقد تبارى البابوات عبر العصور المظلمة على إصدار الفتاوى اللازمة لدعم محاكم التفتيش وأشباهها وتبرير حقهم في ملاحقة الناس وإذلال المرأة أما القضاة فقد كانوا أكثر جهوزية لاستقبال المتهمين وإصدار أقسى العقوبات بهم. على اعتبار أن شهادة رجال محاكم التفتيش لا تقبل التشكيك أو النقض.
فاكس 4702164
Yara.bakeet@gmail.com