في أواخر القرن الماضي ودخولنا زمن العولمة وحرية تبادل المعلومات أفاق المجتمع لدينا على نوع جديد من التعليم وضرب مختلف عمّا ألفناه وعهدناه لدينا من ضروب الدراسة والتعليم (فيما يُسمى بالدراسة عن بعد أو التعليم المفتوح) والذي ساعد على نشأته الثورة المعلوماتية في مجال التعليم الإلكتروني.
على الرغم من قطع كثير من دول العالم ليس المتقدمة فقط، بل حتى النامية منها أشواطاً كبيرة نحو هذا النوع من التعليم الذي أصبح واقعاً معيشاً وخياراً إستراتيجياً أملته وفرضته الظروف والمتغيِّرات المعاصرة التي يمرّ بها العالم اليوم حتى أصبح صناعة الآن لها أسسها ومبادئها، على الرغم من كل ذلك إلا أن البدايات لدينا ما زالت متواضعة والخطوات خجولة نحو هذا النوع من التعليم.
نحن بحاجة إلى تبني المبادرات ودعمها لتأسيس البنية التحتية للتعليم الجامعي الإلكتروني والتعليم عن بعد وتطبيق برامجه ومشروعاته في جامعاتنا، نحن بحاجة إلى تنسيق الجهود فيما بين الجهات ذات العلاقة والجامعات حتى نشوء هذا النوع من التعليم بالطريقة الصحيحة والمفيدة للطالب والمجتمع وتحقيق الأهداف التعليمية منه.
لقد استشف رائد التعليم العالي الأول (خادم الحرمين الشريفين حفظه الله) طبيعة المرحلة الحالية، إذ إن هناك توجهات سامية من القيادة لتحقيق نقلة نوعية واعدة تستند لأسس صلبة قاعدتها الخطة الوطنية للاتصالات وتقنية المعلومات والتي تؤكِّد على أهمية تبني هذا النوع من التعليم، حيث دعت لتأسيس مركز وطني للتعليم الإلكتروني يعنى بهذا النوع من التعليم، وذلك لدعم وتنسيق الجهود في مؤسسات التعليم الجامعي حاضراً ومستقبلاً، والتي تستهدف في المقام الأول الارتفاع بالعملية التعليمية وتقديمها دون التقيد بالزمان أو المكان وبما يعزِّز الإسهام في مختلف جوانب التنمية القائمة على المعرفة والسعي إلى نشر الوعي المعرف والتقنيات الحديثة في التعليم الجامعي ومشاركة الجامعات في تطبيق التقنيات الحديثة ووضع الضوابط والأسس والمفاهيم الخاصة بذلك لتوفير حلول متقدِّمة لكثير من قضايا التعليم الجامعي.
إن إنشاء مثل هذا المركز سيسهم وبلا شك في تأكيد التوجه للاستفادة من الاتجاهات الحديثة في التعليم العالي لتوطين الثقافة التقنية وإشاعتها في مؤسسات التعليم الجامعي ومن ثم المجتمع أخذاً بأسباب التقدّم ومواكبة لمستجدات العصر وتفاعلاً دائماً معه على أرضية صلبة من المعارف المتجدِّدة.
نحن بحاجة اليوم إلى دعم الجهود والتعاون والتنسيق من أجل صناعة متكاملة للتعليم الإلكتروني في مؤسسات التعليم الجامعي والاستفادة من التجارب والخبرات العالمية في مجال التعاون التقني والفني والتنسيق لتقديم خدمات التعليم من خلال تطبيقات التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد والإبداعات التقنية والإدارية لهذا الجانب لتخريج أجيال واعية مدركة لأهمية دورها في دفع عجلة التنمية.
إن في اعتقادي الشخصي أن هذا التوجه نحو ترسيخ هذا النوع من التعليم لم يعد ترفاً بقدر ما هو خيار أساسي، بل إستراتيجي أيضاً تتوجه إليه الأمم لتواصل بشكل جيد مسيرة بنائها في ظل اقتصاد يستند إلى المعرفة ويضمن تنمية مستدامة في شتَّى أوجه البناء والنماء.
الطموحات كبيرة والأمنيات واسعة في ظل الطفرة التعليمية التي نعيشها الآن في أن تكون الخطى نحو تعميم التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد واثقة وصادقة وقائمة على رؤى واضحة لنستبين أقصر الطرق نحو الغايات المرتجاة.
* إدارة تعليم صبيا
ص. ب 467