تعتمد اقتصاديات دول مجلس التعاون بدرجة كبيرة على النفط الذي يسهم بأكثر من 40% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما يسهم قطاع الخدمات بنسبة 39% في حين يسهم قطاع الصناعات التحويلية بنحو 10.5% من الناتج وقطاع الزراعة ب3% ومما لا شك فيه أن هذه التركيبة الهيكلية غير المتوازنة لاقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي واعتمادها على النفط يمكن أن تشكل أحد مصادر عدم الاستقرار الاقتصادي الذي قد يحدث نتيجة لتقلب أسعار النفط في الأسواق العالمية.
وفي ضوء ذلك يمكن القول إن مورد النفط يتميز بخاصيتين أساسيتين: الأولى التقلبات الحادة في أسعاره وإيراداته، والتي يصعب التنبؤ بها، والأخرى كونه مورداً غير متجدد.
أما الخاصية الأولى فتتطلب من الدول النفطية تبني سياسات تهدف إلى تخفيف حدة تقلبات الإيرادات النفطية، واستقرار الإنفاق العام، أما الخاصية الثانية فتتطلب مراعاة حقوق الأجيال القادمة.
ومن هنا فلقد أصبحت صناديق النفط شائعة في الدول المصدرة للنفط؛ وذلك من أجل الاستفادة من الدور الذي يمكن أن تلعبه تلك الصناديق في الاستقرار الاقتصادي، والتثبيت لتخفيف حدة تقلبات إيرادات النفط، وأوعية ادخارية لمراعاة حقوق الأجيال القادمة بعد نضوب النفط.
وقامت عدد من الدول النفطية بإنشاء صناديق النفط، منها النرويج وفنزويلا والكويت، وتفاوتت هذه الصناديق في بنائها المؤسسي وسياساتها وقواعدها التشغيلية، وبصفة عامة ينظر إلى التجربتين الكويتية والنرويجية على أنهما الأكثر نجاحاً.
وسوف نستعرض التجربة الكويتية باعتبارها من التجارب الرائدة في هذا المجال؛ حيث أنشأت الحكومة الكويتية صندوق الاحتياطي العام عام 1960م عقب اكتشاف وتصدير النفط بكميات هائلة في عقد الخمسينيات من القرن الميلادي الماضي، وكان يضم جميع استثمارات الحكومة في الداخل والخارج.
وفي عام 1976م أنشأت الحكومة صندوق ادخار أطلقت عليه اسم صندوق احتياطي الأجيال القادمة. وكان يخصص للصندوق في بادئ الأمر 50% من موارد صندوق الاحتياطي العام، و10% من الإيرادات النفطية وغير النفطية السنوية. وتجرى عمليات التحويل إلى صندوق احتياطي الأجيال القادمة باستقلال عن الميزانية، ولابد من موافقة مجلس الأمة عند رغبة الحكومة السحب من صندوق احتياطي الأجيال القادمة، وتتركز استثمارات الصندوق في الأصول الأجنبية من خلال كبرى الأسواق المالية الأجنبية.
وبغرض تحسين إدارة عمليات الاستثمار أنشأت هيئة الاستثمار الكويتية عام 1982م، وحلت محل وزارة المالية في إدارة الاحتياطيات المالية العامة.
ساعدت موارد الصناديق الكويتية في تغطية نفقات الحكومة خلال العامين 1990 و1991م إثر تعرض الكويت للاحتلال العراقي، في أغسطس 1990م، وفي الوقت الحالي يشكل الدخل الاستثماري من تلك الصناديق المصدر الرئيسي لإيرادات الحكومة بعد النفط.
وعلى الجانب الآخر يرى بعض الخبراء التقليل من أهمية إنشاء صندوق رسمي للنفط، ويستند هؤلاء إلى أساس أن نفس الفائدة تتحقق حين تستثمر الحكومة الفوائض تحت تسميات وتنظيمات أخرى غير الصندوق؛ فعلى سبيل المثال أنشأت حكومة أبو ظبي (هيئة أبو ظبي للاستثمار) قبل نحو ثلاثة عقود، والتي تتركز وظيفتها في إدارة الاحتياطيات الفائضة من عائدات إمارة أبو ظبي، عبر شراء الأصول المالية في أسواق المال. وتقدر أوساط معنية موجودات الهيئة بمئات البلايين من الدولارات، وتشكل العوائد من استثمارات الهيئة جزءاً مهماً في مالية حكومة أبو ظبي وقت انخفاض أسعار النفط بل ربما زادت عوائد الاستثمار على عوائد النفط وقت تدهور أسعار النفط.ولكن ما نريد التأكيد عليه هنا هو أن أحدث الدراسات التطبيقية قد أسفرت عن فعالية صناديق النفط كأدوات لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وبخاصة فيما يتعلق بالتذبذبات في الأسعار ومعدلات التضخم وعرض النقود، إلا أن هذا لا يمنع ضرورة توجه اقتصادياتنا نحو التنويع الاقتصادي بعيداً عن النفط بهدف إحداث تغيير جوهري في التركيبة الهيكلية لبناء الاقتصاد حتى لا تظل اقتصاديات الدول الخليجية عرضة لتقلبات أسعار النفط التي قد تؤدي إلى توقف أو بطء عمليات التنمية والخطط التنموية الطموحة التي نسعى إلى تحقيقها.
asa5533@hotmail.com