قد لا نندهش عندما نعلم أن لصاً سطا على أحد المنازل في غيبة من أصحابه، واستولى على مال أو مجوهرات أو خلافه.. لكننا لا شك نندهش ونستغرب هذا الفعل لو تبين أن هذا اللص هو شقيق أو ابن عم صاحب المنزل المسروق! وتتضاعف دهشتنا واستنكارنا لو عرفنا أن هذا المنزل تملكه زوجة أبيه، وأشقاؤه الصغار، وربما شقيقة هذا السارق.
ونتساءل: هل يسرق الأخ أخته أو أخيه، وهل ذهبت الأخلاق، بحيث يسطو السارق على حقوق زوجة أبيه؟
في ساحات المحاكم وأروقتها قضايا شبيهة بالسرقة، لكنها ليست سرقة تستلزم قطع اليد.. لكنها تقطع الأرحام، وتدمي القلوب والعيون.. فأرملة مسكينة تحمل رضيعاً وتشكو حرمان أبناء زوجها لها من حقها في ميراثه، وأخرى تشكو أخاها الذي سطا على إرثها من والدها حتى لا يستمتع به زوجها الغريب عن العائلة، وأخ يدعي أن أخاه بدد ميراثه الذي كان وصياً عليه.. وعشرات المشاكل، إضافة إلى المئات التي لم تجد طريقها إلى المحاكم حرجاً، أو حياء، وربما قلة حيلة، أو حرصاً على الشكل العائلي!!
وإذا كان الأخ أو الأخت يصف اعتداء أخيه أو أخيها على حقه في الميراث بأنه سرقة، فإننا نصبح بالفعل أمام ملف شائك لهذا النوع من السرقة، تحركه وتغذيه قناعات جاهلية بددها الإسلام بعدالته، وهزمتها الشريعة بعظمتها، وأطماع دنيوية رخيصة وضعت المال أو العقار والثروة في مرتبة أولى من حقوق الأرحام، وقادت هؤلاء الطامعين إلى اعتراضٍ بغيض على حكم الله سبحانه وتعالى في قسمته العادلة للمواريث، فهل هذا المال وإن كثر أنفع للأخ من أخيه؟ وهل زينة الدنيا جديرة بأن يتجرأ أحدنا على أحكام الله، وتعاليم شريعته؟ فيأكل أموال الناس بالباطل، ومنهم اليتامى، والأرامل، والفقراء، ومن هؤلاء الناس؟ إنهم إخوته وأخواته، وأبناء عمومته وأخواله، وغيرهم من الأقربين الذين تربطه بهم الأرحام، والقرابة، والإسلام، قبل أن تفرقه عنه الأموال, والعقارات، والحطام.
والظلم ظلمات يوم القيامة، فماذا إذا كان يحمل أيضاً قطيعة رحم، إن لصوص المواريث ليسوا سارقين فحسب، بل هم قاطعوا أرحام، وإن نجوا من حد السرقة الذي ينتظر سارقي المنازل والسيارات، فلن ينجوا أبداً من دعاء المظلومين الذين أكلوا أموالهم، واستحلوا إرثهم، وقطعوا أرحامهم بذلك.. ولن ينفعهم المال الذي استولوا عليه وإن كثر، كما لن يشفع لهم قلته إن كان قليلاً، أو مثقال ذرة.
وإن كان غياب الوازع الديني هو السبب في استحلال أموال الناس بالباطل، فإن التصدي للصوص المواريث يبدأ بإحياء وتقوية هذا الوازع، والفهم الصحيح لتعاليم الشرع وأخلاقه، هذا الفهم الذي جعل الأنصاري يتخلى عن نصف ماله، وبيته، ويعرض التخلي عن إحدى زوجتيه لأخيه المهاجر في عصر النبوة، هو وحده القادر على أن يهزم الأطماع في نفوس من تجرأوا على أحكام الله في المواريث، واعتدوا على حقوق أخواتهم، النساء، وإخوانهم الصغار، وتقوية الوازع الديني لا تقتصر على من ابتلوا بارتكاب هذا الجرم، لكن يجب أن تستهدف أيضاً الآباء، فالعدل بينهم، وتنمية مشاعر الأخوة الحقة بين الأبناء، ليست سلوكاً اجتماعياً فحسب، بل هي أيضاً جزء من عدالة الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين، وصلاحاً للمجتمعات الإنسانية في كل العصور.
alomari1420@yahoo.com