Al Jazirah NewsPaper Friday  22/02/2008 G Issue 12930
الجمعة 15 صفر 1429   العدد  12930
هكذا نواجه عمل المتطرف؟!
د. محمد بن عبدالله السحيم *

تناقلت وسائل الإعلام خبر إعلان عضو البرلمان الهولندي رئيس حزب الحرية اليميني المتطرف جريت فليدرز، عن إطلاقه اسم (الفتنة) على الفيلم المهين للقرآن الكريم الذي سبق أن روج له خلال الأشهر المنصرمة الذي ينتقد فيه آيات القرآن الكريم ويصفها بالفاشية والتحريض على العنف والإرهاب ضد غير المسلمين. ثم يضيف الخبر أنه أضاف في تصريحاته الجديدة - التي قد تحدث غضبا في الأوساط الإسلامية في هولندا وخارجها - إن (الإسلام والقرآن هما بلاءي والضرر الأكبر الذي أواجهه، فالإسلام من وجهة نظري فتنة).

وصدق الله فإن القرآن الكريم لا يزيد الكافر المعرض عنه إلا فتنة وبلاء، قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} وقال جل ثناؤه: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }.

وقال عز من قائل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.

أرأيت كيف يكون القرآن شفاء للمؤمنين وخسارة للكافرين؟ وفي الآية الثانية بين أنه لا يزيد بعض أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى إلا طغيانا وكفرا، وفي الآية الثالثة بين مقالة اليهود وتطاولهم على مقام الربوبية وأوضحت الآية أن القرآن ليزيدن كثيرا من اليهود طغيانا وكفرا، فهذا السفيه المتطرف عضو البرلمان يخبر عن حقيقة قرآنية متكررة ما تكرر الليل والنهار، وهي أن القرآن يزيد بعض أهل الكتاب طغيانا وكفرا، وهذا من إعجاز القرآن وعظمته أن يخبر عن هذه الحقائق المغيبة في صدورهم ثم يعلنونها، وإعلانها من قبلهم شهادة بصدق القرآن، فلا إله إلا الله ما أعظم هذا القرآن؛ إنه تنزيل من حكيم حميد، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وتأمل أن الفعل المستخدم في كل هذه الآيات هو الفعل المضارع الذي يدل على الحال والاستقبال وهو قوله (يزيد).

وأمام هذا العمل المتطرف من هذا العضو المتعجرف فما ينبغي أن نفعل، إن على كل محب للخير، مؤمن بالله العظيم، متابع للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن يبذل قصارى جهده في الذب عن نبي الهدى ورسول الرحمة صلى الله عليه وسلم، شريطة أن يكون هذا العمل موافقا لسنته صلى الله عليه وسلم، ولن أستطيع أن آتي على كل ما ينبغي فعله في هذه الحالة ولكن حسبي أن أرمي بسهم في ميدان جهاد في سبيل الله، ومن ذلك:

1- سمى هذا الفتان فيلمه (الفتنة) وهو حقا فتنة، والله يقول: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} فالفتنة أشد وأكبر من القتل، وكم ثرب علينا الإعلام الغربي ووصفنا جميعا بالإرهابيين لأن ثلة أسهمت في تقتيل أو إفساد، وكل من فعل فعلا من هذا القبيل من منتسب للإسلام تجد الإنكار له والتنديد بفعله من جميع المستويات في العالم الإسلامي، بينما لا تجد إنكاراً لتطرفهم سواء في مثل هذا الفيلم أو في غيره من مسيرات التقتيل والتجويع والإبادة، بل تجد الصمت المطبق، على حد قول الأول: ما أمرت بها ولم تسؤني. فالمطلوب إدراك الرقي الذي نتعامل به مع الأحداث، ومعرفة الغلظة والقسوة وعدم المبالاة التي يواجهون بها الأحداث.

2- إن الناظر في كتابهم المقدس يجد فيه الشيء العظيم من التقتيل وتشريع الإبادة والتفرقة العنصرية وسحق الأحياء، كما يجد في تاريخهم من قتل الأحياء وأكلهم وشويهم والتلذذ بأكل لحوم البشر ما لا يخطر على بال، وفي رسالة المطران برتلومي الذي كان مرافقا لحملات النصارى الأسبان إلى أمريكا يجد اعترافه بقتلهم الملايين وليس الآلاف، وهو في روايته لهذه الإبادة ينعى على النصرانية هذا الفعل المشين، فكيف يصف هذا لا دعي الإسلام بهذه الأوصاف التي هي أليق به وبديانته، ولدي بحث متكامل سيرى النور قريبا عن تعامل النصارى مع مخالفيهم من خلال التاريخ ومن خلال الكتاب المقدس.

3- إن الغرب في أحيان كثيرة يتسبب في إشعال الفتنة ويتباكى على آثارها، وهذا الفيلم من هذا الباب، ولا شك أن أثر هذا الفيلم أعظم من تفجير شاحنة أو نسف طائرة... وهم متوقعون لشيء من ذلك.

4- إن هذا الفعل يندرج تحت قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} فهم من سفههم يريدون أن يطفؤوا الشمس بأفواههم، وهذا لن يقع، فسيبقى هذا الدين ما بقي الليل والنهار.

5- أن نعلم أن هذه الهجمة متصاعدة خصوصاً بعد بروز الأحزاب اليمينية المتطرفة في الغرب وهي أحزاب متدينة متعصبة متطرفة تذكي نار الخلاف والشقاق وتزرع نار الفتنة، وقد غرها من نفسها قوة تراها في العالم الغربي، وضعف في العالم الإسلامي، وهذا بحد ذاته ليس مبررا، والعالم الإسلامي ولله الحمد ليس إلى هذه الدرجة التي تغري فيه عدوه، فلن يكون أعجز من فيتنام، وشواهد العصر من العالم الإسلامي خير شاهد.

6- إن على العقلاء والراشدين في العالم الغربي والعالم الإسلامي أن يلجموا سفهاءهم قبل أن تشتعل نار حرب كونية لا يستطاع إخمادها، فالعالم اليوم يملك من وسائل الدمار ما يكفي لإحراق الكرة الأرضية أكثر من مرة، وهم يتخيلون ذلك في أدبيات نبؤاتهم الكاذبة، وما كتاب آخر كرة أرضية عنا ببعيد.

7- أن يكون العمل الإسلامي عملا مستمرا لا يتوقف على ردود الأفعال خصوصاً بعد ظهور هذه الأحزاب اليمينية الغربية، ويمكن مواصلة العمل في الغرب خصوصاً في هولندا في هذه الفترة، ومن ذلك:

أ- دعم الجمعيات الإسلامية الهولندية المسجلة بشكل رسمي في هولندا دعما شعبيا ورسمياً؛ لتؤدي شيئا من رسالتها.

ب- استضافة بعض الشخصيات الإسلامية في هولندا للتباحث معهم في أفضل السبل لتلافي الآثار السيئة التي قد تنتج عن الفيلم.

ت- أن تتحمل المؤسسات التجارية السعودية وغيرها مسؤولية الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك من خلال شراء أوقات بث في القنوات الغربية ذات الانتشار الواسع ويبث في هذه الأوقات بعض الأفلام والمقابلات والبرامج التي تبين حقيقة رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، أليست هذه شركات إسلامية ويديرها مسلمون، ويملكها مسلمون، ألسنا نرى الشركات الغربية تجعل ميزانيات ضخمة لدعم العمل التنصيري، فنحن أحق منهم بذلك، ورجال مؤسساتنا لديهم من الغيرة على دينهم ومحبة رسولهم ما ليس عند غيرهم.

ث- إقامة معارض متنقلة عن الإسلام في الجامعات والمعارض والأماكن المتاحة لإقامتها لبيان رسالة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

ج- إنشاء ودعم المواقع الخاصة ببيان حقيقة رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم ورسالة الإسلام سواء باللغة الهولندية أو غيرها من اللغات، فلا يزال توظيفنا لهذه الشبكة في نصرة قضايانا دون المستوى المطلوب.

ح- أن تقوم الهيئات الشعبية والمؤسسات الإسلامية كالرابطة والندوة وغيرها بمخاطبة المؤسسات العالمية الإدارية والدينية لإنكار هذا العمل المشين والخروج بتوصيات تمنع التعدي على المقدسات والحرمات.

خ- السعي لإصدار قرار عام من هيئة الأمم المتحدة يجرم من يتعدى على المقدسات الإسلامية، ألم يستصدر اليهود قراراً بمنع معاداة السامية، وماذا لو كان هذا الفيلم يسب اليهود أو ينكر المحرقة اليهودية المشكوك فيها أصلاً.

د- أن تقوم جماعة من المحامين والحقوقيين المسلمين بملاحقة هؤلاء المعتدين أمام المحاكم الغربية وتقديمهم للمحاكمة ويجب دعم هؤلاء الحقوقيين لأداء رسالتهم.

ذ- إرسال تراجم معاني القرآن الكريم والكتب الإسلامية إلى الجمعيات الهولندية وسائر الجمعيات الغربية لأن الطلب على هذه الكتب بعد حدث مثل هذا سيزداد، فلا نترك الساحة خالية فتقدم لهم الكتب التي كتبها عن الإسلام المستشرقون المتعصبون الحاقدون، لأن الأحداث علمتنا أن الغرب إذا حدث مثل هذا هرعوا للمكتبات يبحثون عن الحقيقة، فلنكن على قدر الحدث، أو قريباً منه.

ر- إرسال مجموعات من الباحثين والمفكرين المسلمين إلى الجامعات الغربية والتباحث مع القيادات الفكرية حول حقيقة الرسالة الإسلامية، لأن ترك الغرب تغلي مراجله من خلال هذه الأفلام التي تستعدي علينا قد يدفع الغرب إلى مواجهة شاملة مع المسلمين، لأن هذا الإرهاصات التي نراها قريبة الشبه بأجواء العالم الغربي قبيل الحروب الصليبية، فلندرك الخطر، ولنأخذ لكل أمر أهبته واستعداده.

* الأستاذ بجامعة الملك سعود بالرياض



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد