ولا ريب أنه لا عمل بدون نية، فكل عامل له نيته، غير أن النية الصالحة تحول العادة النافعة إلى العبادة، كما أنها إذا فسدت - لا قدر الله- تحول العبادة إلى عادة، فخذ مثلا من العادات لدينا أن يجتمع الناس بعد صلاة العيد لتناول طعام العيد وتبادل التهاني وإظهار الفرح، فلو أن رجلا جاء إلى هذا الاجتماع بنية التواصل مع جيرانه وأقاربه وإدخال السرور إلى قلوبهم لإثابة الله على ذلك، وفي المقابل لو أن شابة لبست الحجاب عادة لأن أمها تلبسه دون أن تلبسه طاعة لله لكان لباسها لذلك الحجاب عادة لا تؤجر عليها، وقس على ذلك، فلو أننا استصحبنا النية الصالحة في كل حركاتنا وسكناتنا لأثابنا الله عليها، بل إن أكل الواحد منا وشربه ونومه ويقظته وحله وترحاله يثاب عليه كله متى ما استصحب النية الصالحة، والنية محلها القلب، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)، كما أنها الباعث على العمل، قال صلى الله عليه وسلم: (من همّ بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة)، فبمجرد الهمّ الصالح كان العمل صالحا يثبت به الأجر، وهذا فضل للنية الصالحة.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (الناس أربعة: رجل آتاه الله عز وجل علما ومالا فهو يعمل بعلمه في ماله، فيقول رجل: لو آتاني الله تعالى مثل ما آتاه الله لعملت كما عمل، فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يخبط في ماله، فيقول رجل: لو آتاني الله مثل ما آتاه عملت كما يعمل، فهما في الوزر سواء) فأثيب ذو النية الصالحة بثواب العمل الصالح، ووزر صاحب النية الفاسدة بوزر صاحب العمل الفاسد، بل إن النية الصالحة تبلغ أجر الجهاد، فقد قال صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك: (إن بالمدينة أقواما ما قطعنا واديا ولا وطئنا موطئا يغيظ الكفار، ولا أنفقنا نفقة، ولا أصابتنا مخمصة إلا شركونا في ذلك وهم بالمدينة)، فقيل له: كيف ذلك يا رسول الله؟ فقال: (حبسهم العذر، فشركوا بحسن النية).
وإذا غابت النية الصالحة وحلت محلها النية الفاسدة تكون النتائج وخيمة جدا، بل مهلكة، بل إن ذلك يحول المباح إلى حرام، قال صلى الله عليه وسلم: (من تزوج بصداق لا ينوي أداءه فهو زانٍ، ومن أدان دينا وهو لا ينوي قضاءه فهو سارق). النية مكانتها عظيمة، وهي منطلق العمل، وهي المحرك والموجه له، ولا عمل بدون نية؛ لذا جدير بنا أن نراجع نياتنا، لا أقول كل يوم، بل قبل كل عمل وأثناءه وبعده، فالنية إن صلحت قبل العمل قد تفسد أثناءه، وإن صلحت أثناءه قد تفسد بعده، وهكذا فالشيطان كما ورد في الحديث: ( يجري من ابن آدم مجرى الدم)، لذا لن يترك ابن آدم يتم عمله بصفاء نية بل سيسعى إلى إغرائه وإغوائه لا لشيء إلا ليفسد عليه عمله.
amaljardan@gamil.com