د. حسن الشقطي (*)
أغلق مؤشر السوق هذا الأسبوع عند 10127 نقطة رابحاً حوالي 10%، وذلك في ضوء مسار صاعد جديد ابتدأه منذ تداولات السبت الماضي، ويأتي هذا المسار المتوقع في ضوء الصعود القوي لسهم سابك الذي ربح 17%، وذلك في ظل انتعاش حركة التداول عليه اعتماداً على تقرير مالي حديث وضع تقييماً جديداً لسعر السهم بحوالي 260 ريالاً.. فقد تحرك سهم سابك من 156 إلى 183 ريالاً، وهو أشبه بقفزة في سعر سهم يفترض أنه يتصف بالثقل الاستثماري.. فإلى أين سيسير السهم؟ وإلى أين سيأخذ المؤشر؟ كذلك الحال، فقد عادت من جديد التداولات النشطة للأسهم التي تنتمي للقطاع البتروكيماوي وعزاها البعض إلى التقارير التي تحدثت عن الدعم الحكومي القوي للاستثمار في القطاع.
ورغم اتفاقنا مع ذلك، فهل فعلاً هذا هو فقط السبب وراء انتعاش كيان البتروكيماويات أم أن الأغراض المضاربية لها دور أيضاً؟.. كذلك الحال تحرك القطاع البنكي وعلى رأسه الراجحي الذي ربح 11%.. فضلاً عن ربحية كل من العربي والرياض لنحو 14%.. بل إن الشاهد في حركة تداول هذا الأسبوع أن الرابحين هم تقريباً من الأسهم الاستثمارية رغم تصدر أسهم الأسماك وسلامة وإليانز لقائمة الأعلى رابحين.. فما الذي حدث؟ وكيف تحولت الأسهم الاستثمارية الثقيلة التي يفترض أنها تمثل أوتاد السوق كيف تحولت إلى هذا النشاط التداولي الحميم؟ بل هل ما يحدث لهذه الاستثماريات هو نشاط استثماري مرغوب أم اضطراب مضاربي مرفوض؟ وهل لكل ذلك علاقة بالهيكل الجديد للسوق؟ وإذا كان له علاقة، فهل نحن على موعد مع رقم غير متوقع للمؤشر؟ وإذا حدث هذا الرقم، فهل فعلاً سيستمر أم سيتلاشى بسرعة ظهوره؟ ومن هم المستفيدون من هذا الظهور الخاطف؟.
المؤشر يكسب 942 نقطة في خمسة أيام
افتتحت حركة التداول هذا الأسبوع على صعود قوي للمؤشر ربح خلاله 301 نقطة، تلاه صعود متتالي من الأحد إلى الأربعاء، جاء متدرجاً من مستوى ربحية طفيف يوم الأحد إلى أعلى منه يوم الاثنين حتى أغلق المؤشر على صعود قوي يوم الأربعاء ليربح 289 نقطة. وقد ربح المؤشر خلال أسبوعه حوالي 942 نقطة أو ما يعادل 10%. ورغم هذا المكسب الكبير للمؤشر، إلا إنه لا يزال خاسراً لنسبة تقدر بحوالي 14.7% نتيجة أنه لم يتمكن سوى من تعويض جزء من خسارته الكبيرة خلال الشهر الماضي.
المؤشر يسير في مسار أشبه بالرأسي
رغم أن الصعود مطلوب لتعويض الخسائر الكبيرة التي أحرزها المؤشر إلا إن مسار الصعود الرأسي يثير مخاوف من عدم صنع مسار استقراري للسوق، لأن الصعود القوي والسريع للمؤشر عادة ما ينجم عنه هبوط معادل في القوة والسرعة، وهو ما حدث في دورة الصعود الأخيرة.. لذلك، كل الأمل أن يبطئ المؤشر من حركته وأن يهدئ من صعوده حتى يتمكن من بناء قواعد صلبة يستطيع أن يعتمد عليها ضد أي ضغوط أو مضاربات على الهبوط.
الأسهم الاستثمارية تقود السوق
ظهرت ملامح قيادة الأسهم الاستثمارية للسوق هذا الأسبوع بشكل واضح.. ففي يوم الأربعاء سيطرت كيان وبترورابغ وأيضاً الكهرباء والنقل البحري ثم إعمار وجبل عمر على قائمة الأسهم الأعلى نشاطاً من حيث الكمية.. كما أن سابك والراجحي وبنوكاً أخرى خرجوا بأعلى ربحية ليس الأربعاء فقط، ولكن لكامل الأسبوع.. من الإيجابيات أن تصبح حركة التداول تترجم المستويات الاستثمارية للأسهم.. إلا أن ذلك ليس صحيحاً على الدوام.. فهناك جانب آخر، وهو أن الحركة الدؤوبة لهذه الأسهم لها جانب سلبي في أنها سحبت بساط الاستقرار الذي كنا نسميه في الماضي الجمود أو الرتابة.. فرغم أننا كنا ننتقد هذا الجمود غير الطبيعي، إلا إنه كان يمثل أوتاد الاستقرار في السوق نتيجة الثقة في صعوبة أو ربما استحالة تحريك هذه الأوتاد، ومن ثم ضمان أعلى درجة من الاستقرار لمؤشر السوق.. إننا كنا نتخذ سابك بجمودها السابق كصانع استقراري للسوق لما كانت تعطيه من توازن في السوق في زمان كان يملك المضاربين قوة السيطرة.. فهل أصبح هذا الدور غير مطلوب من سابك ومثيلاتها نتيجة غياب هذه السطوة باعتلاء هيئة السوق دورها الرسمي المطلوب؟.
القطاع البنكي ومعضلة النمو
تمر البنوك المحلية المدرجة في سوق الأسهم هذه الأيام بفترات عصيبة، فالواقع والمستقبل لا يحملان ما يمكن الاستدلال به على أيام خضراء مستقبلاً.. فمنذ عام مضى، بدأت تتضح ملامح ثبات الأرباح لغالبية البنوك، في حين تكشفت أزمة تراجع هذه الأرباح للبعض الآخر.. إلا أن هذه الملامح بدأت تتغير كثيراً خلال الربع الأخير من عام 2007 مع بدء تحقيق بعض البنوك لخسائر.. في الواقع أن هذه الخسائر لم تكن مفاجئة، إلا إن سرعة حدوثها هو المفاجأة.. بالتحديد لم يكن أحد يتصور أن تؤثر العمولات البنكية في تدني أو تراجع ربحية البنوك بهذا الشكل، تلك العمولات التي كانت تحتكرها البنوك لفترات طويلة.. ولكن هل العمولات وحدها هي أساس أزمة وتراجع أرباح البنوك؟ في الحقيقة المشكلة ليست في تراجع أو فقدان جزء من الأرباح، ولكنها تتمثل جوهرياً في انعدام محفزات النمو فالبنوك تتعرض لنوعين من المخاطر الصعبة، وهي:
1- المنافسة الشرسة المتوقعة من البنوك الجديدة التي وصل عددها الآن إلى عشرة بنوك، كثير منها هي فروع لبنوك دولية أو إقليمية تمتلك المهارة والحرفية فضلاً عن امتلاكها لأرصدة مالية هائلة تحتاج لتشغيلها.
2- أزمة سوق الأسهم (منذ فبراير 2006) قلصت من حجم الاقتراض البنكي، ومن ثم حرمت البنوك المحلية من عوائد كبيرة كانت تحققها اعتماداً على التسهيلات المفتوحة للمضاربين في السوق.
أما مصدر الخطر الذي يحيط بهذه البنوك فيتمثل في أن أوضاعها المالية بدأت تضطرب رغم أن نصف البنوك الأجنبية الجديدة لم تباشر عملها حتى الآن، فكيف سيكون حالها عندما تكتمل منظومة هذه البنوك وتعمل بكامل طاقاتها في السوق؟ بالطبع أن الأمر يتطلب مراجعة شاملة لهذه المنظومة حتى تتمكن من التعايش مع البيئة الانفتاحية الجديدة وإحراز نفس الأداء الجيد الذي اعتاد عليه المساهمون.
سوق الأسهم.. المتسبب
الرئيس في تراجع نمو البنوك
في السنوات الماضية كان العميل يحتاج إلى المرور على أكثر من بنك حتى يتمكن من الحصول على تمويل بنكي سواء شخصي أو تجاري، أما الآن فلا يمر يوم إلا وأنت تشهد مندوب أحد البنوك يدعوك للحصول على تسهيل بنكي، لتتفاجأ بشكل ونوع التسهيلات المعروضة والإغراءات التي يقدمها كل بنك.. إلى حد وصلت فيه المنافسة إلى أن البنوك باتت تشتري قروض بعضها البعض وبأسعار متدنية.. فهذا البنك يعرض عليك أن يقوم بسداد قرضك القديم مقابل تخفيضات على سعر الفائدة أو منحك مزايا أخرى.
وقد وصل الأمر الآن إلى تسهيلات بنسب فائدة بنحو 3 إلى 3.5%، وهو سعر متدنٍ جداً، وربما بعض البنوك لا تحقق ربحاً في عملياتها التشغيلية بهذه الأسعار.. وكل ذلك نتيجة فقدان البنوك للتسهيلات الإقراضية التي كانت تمنحها للمضاربين في السوق.. ولنا أن نتصور كيف كان المضاربون يمولون مضاربات تصل في اليوم الواحد إلى 45 مليار ريال، والتي وصلت إليها مستوى السيولة اليومية المتداولة.. بالطبع بالتسهيلات البنكية.. ولكن الشيء الغريب هو أن البنوك نفسها قد لعبت دوراً سلبياً في سوق الأسهم من خلال هذه التسهيلات والتي لعبت الدور الأكبر في إشعال المضاربات في السوق مما أدي إلى تضخيم قيمة المؤشر حتى جاوز الـ 20 ألف نقطة.. فالشاهد أن البنوك إذا كانت قد أضرت بسوق الأسهم خلال عامي 2005 و2006، فإن سوق الأسهم نفسه الآن يتسبب بضرر جسيم للبنوك نتيجة إصلاحاته التي حرمت هذه البنوك من العمولات البنكية الثرية، وأيضاً من فرص التوسع في التسهيلات البنكية. لكل ذلك، فإن توقع النمو للقطاع البنكي أصبح مشكوكاً فيه، وبالتالي فإن النشاط التداولي للقطاع البنكي لا يعبر عن وضع استثماري بقدر ما يشير إلى أوضاع ترتبط بالمستثمرين في سوق الأسهم.
مساهمة الفرد الواحد وصلت
إلى 2073 ريالاً في اكتتاب زين
في واحدٍ من أكبر الاكتتابات في تاريخ السوق تأكدت من جديد قوة السيولة المحلية التي تضمن تغطية كافة الاكتتابات المقبلة بلا خوف أو قلق.. حيث اكتتب حوالي 8.2 ملايين مواطن في زين السعودية، وقاموا بضخ 17 مليار ريال.. رغم أن ما طرحته الشركة للاكتتاب يعادل 6.3 مليارات ريال فقط.. أيضاً رغم الفترة القصيرة التي طرح فيها السهم الجديد.. إن البعض يشكك في مقدرة السيولة المحلية، إلا أن كل اكتتاب جديد يدحض هذه النظرة ويؤكد أن ضعف السيولة المتداولة في السوق إنما يحدث كنتيجة لحالة القلق والترقب وعدم الثقة في استقرار المؤشر، إلا إن هذه السيولة موجودة ومؤكدة بأحجام هائلة.. بل إن وصول عدد المكتتبين إلى 8.2 ملايين فرد يؤكد على أن عدد المستثمرين الذين يركزون توجهاتهم على سوق الأسهم لا يزال كبيراً، وأنهم بدأوا فعلاً في امتصاص أزمة التصحيح الأخيرة.
(*) محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail. com