Al Jazirah NewsPaper Friday  22/02/2008 G Issue 12930
الجمعة 15 صفر 1429   العدد  12930
تعاطفاً مع ضحايات (الهولوكوست)!
محمد بن عيسى الكنعان

لم يكن اللاعب المصري (محمد أبو تريكة) بحاجة لقرار سياسي أو إجماع عربي أو تأييد دولي، كي يعلن للعالم تعاطفه الكامل مع أهالي غزة المحاصرين من قبل دويلة الإجرام الصهيوني المدعومة بدول العالم الغربي (المتحضر)، الذي صار شريكاً في الجريمة

بعد أدوار شهادة الزور التي كان يؤديها في المحافل الدولية، وذلك عندما قام هذا اللاعب الملتحم بقضايا أمته والمعبر عن أصالة الشعب المصري، برفع قميصه كاشفاً عن عبارة مكتوبة على قميصه الداخلي تؤكد صدق شعوره الإنساني وعمق إيمانه بقضية فلسطين الخالدة في وجدان شعب النيل والأمة ككل، عبارة عظيمة بكلمات قليلة ومعانٍ بليغة تقول (تعاطفاً مع غزة)، وذلك بعد تسجيله الهدف الثاني لمنتخب بلاده أمام نظيره المنتخب السوداني الشقيق ضمن مباريات كأس الأمم الأفريقية التي أقيمت في غانا. وهذه ليست المرة الأولى التي يسجل فيها أبو تريكة مواقفه القومية والإسلامية في مرمى الحضارة الإنسانية كما يسجل أهدافه الكروية في مرمى الفريق المقابل، فلقد سبق له أن فعلها عندما كشف قميصه الرياضي عن عبارة بالغة الرسالة صادقة الموقف تقول: (إلا رسول الله)، وذلك في حمأة الثورة الشعبية الإسلامية العارمة ضد (الرسوم الدانمركية المسيئة) خلال البطولة الأفريقية الماضية.

غير أن اللاعب أبو تريكة الذي أسعد قلوب المسلمين بهذا الموقف الشجاع، في ظل الصمت الدولي والخذلان العربي إزاء إرهاب الدولة الإسرائيلية، قد تلقى إنذاراً ب(البطاقة الصفراء) على المستطيل الأخضر أثناء المباراة لتعاطفه مع الفلسطينيين، وربما تعرض للعقوبة من قِبَل الجهات المختصة في البطولة الأفريقية، بحجة رفض تسييس الرياضة أو استغلال بطولاتها القارية في رفع شعارات سياسية، لأن ذلك يتنافى مع القوانين الدولية والرياضية. وهنا تجد المفارقة العجيبة التي لا تظهر إلا عندما يكون الطرف عربياً أو القائم بالفعل مسلماً. فلعل القراء الكرام يتذكرون اللاعب الأفريقي جون بنستيل الذي رفع (علم إسرائيل) في مونديال كأس العام بألمانيا عام 2006م بعد أن أحرز هدف بلاده غانا في المرمى التشيكي، تعبيراً عن حبه لإسرائيل، التي يلعب في أحد أنديتها وهو نادي (هبوعيل تل أبيب) الإسرائيلي منذ العام 2003م. والمفارقة التي أعنيها أن (دافع السلوك) مختلف بين اللاعبين أبو تريكة (المصري)، وبنستيل (الغاني). فلاعبنا الكبير دافعه (تصرف إنساني) إزاء جريمة يومية تاريخية يشهدها العالم (المتحضر) بالصوت والصورة وقد تبلد حسه ومات ضميره، الذي يتسجيب بشكل انتقائي لحقوق الإنسان وفق بوصلة مصالحه العليا، فلم يرفع أبو تريكة علم حركة (حماس) أو يكتب أحد شعاراتها، أو حتى يرفع علم فلسطين المحتلة، إنما كشف عن عبارة إنسانية تحاول أن تحرك ضمير المجتمع الدولي، الذي بيع في أسواق النخاسة العالمية بين الغرب وإسرائيل.

بينما ما قام به اللاعب الغاني هو (تصرف سياسي) بحت برفع علم دولة ليست ضمن الدول المشاركة في مونديال ألمانيا، خاصةً أن (علم الدولة) لا يحمل إلا دلالة سياسية، بل هناك رواية تقول إن بنستيل رفع العلم الإسرائيلي ليكون بطلاً في نظر الإسرائيليين، كي يتجاوز بذلك قضيته مع الفتاة الإسرائيلية التي خرجت للرأي العام معلنةً أن بحوزتها إثباتات تؤكد أنه سرق منها 15 ألف دولار، وأنه متورط باغتصابها جنسياً. إذاً لا يمكن أن يستوي الحال بين من يتصرف بدوافع إنسانية محضة، وبين من يتلاعب بالرأي العام بطريقة سياسية، ويجعل ملتقى كأس العالم مسرحاً لتمثيليته.

على قافية ما سبق ذكره، لا أشك بأن حديثي المتضامن مع اللاعب محمد أبو تريكة سيعجب أو يروق لبعض الناس، سواءً من (المتأمركين العرب) الذين يسوقون وجهة النظر الأمريكية التي تضع مشكلة حصار غزة بحركة (حماس)، وأن إسرائيل البريئة إنما تدافع عن نفسها، أو (جماعة كونهاجن) التي لا زالت تدعو لثقافة الهزيمة بالتطبيع الكامل مع إسرائيل خياراً وحيداً لاستتباب الأمن وحلول السلام في المنطقة العربية، أو (المثقفين الميكيافيللين) الذين يبررون لإسرائيل كل ما تفعله بالفلسطينيين فلا علاقة للسياسة بالأخلاق أو الإنسانية، وعليه يرون أن ما فعله أبو تريكة منافٍ للقوانين الدولية والأعراف الرياضية، ولا تدري هل موقفهم هذا سيكون هو موقفهم المعلن لو جرت الأمور بطريق آخر، كأن يلبس أبو تريكة أو أي لاعب عربي قميصاً داخلياً يحمل عبارة تقول: (تعاطفاً مع ضحايا الهولوكوست)، في ذكرى هذه المحرقة التي صارت شماعة إسرائيل في ابتزاز دول الغرب وبالذات ألمانيا، وذكرى الهولوكوست (المحرقة الجماعية لليهود في أفران الغاز النازية بألمانيا) إبان الحرب العالمية الثانية تحل في يوم 27 يناير من كل عام، خاصةً أن العالم الغربي الذي يشارك إسرائيل في (هولوكوست الفلسطينيين في غزة)، أقرَّ عبر الأمم المتحدة أن هذا اليوم من كل عام يوم عالمي لإحياء ذكرى (هولوكوست اليهود) حتى أن البابا بندكت السادس قد شارك زعماء اليهود في النمسا إحياء ذكرى المحرقة عام 2007م.

وعليه أتوقع بما هو أقرب لليقين أن أولئك المتأمركين والتطبيعيين سيشيدون بهذا اللاعب (الإنساني) الذي يعزز فرص السلام مع الإسرائيليين ويقلل المسافة لرضا اليهود. لهذا دائماً أؤكد مسألة مهمة أن القيم الليبرالية الغربية هي قيم (نظرية) يفضحها الواقع المعاصر.



kanaan999@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد