لم أستطع إيجاد تعريف جامع ومانع لجملة (من الجماعة) وهو مصطلح شعبي يستعمل عندنا بشكل مطاط مثل مواد نظام الموظفين؛ وعند غيرنا يقولون (بلدياتي) وغيره من التعريفات، لكن عندنا لا تعطي جملة (من الجماعة) تعريفاً دقيقاً لما يقصده مستعملوها، فقيل تعني الانتماء العرقي، وقيل تعني من نفس القرية، وقيل القريبين جداً، وبعضهم أعطاها أكثر اتساعاً ليدخل فيهم الأرحام والأنساب والإخوة من الرضاعة والمرضى عنهم!!
وفعلاً قد طغت هذه الجملة على كثير من تصرفاتنا، وزاد من أهميتها وترسيخها مثقال آخر من مثاقيل المجتمع وهو قولهم (وجه تعرفه ولا وجه تنكره) أي أنه معروف أكثر من غيره، ومعرفته أكثر من غيره تعتبر جواز سفر من النوع الفاعل، حتى لو كان هذا ال(وجه تعرفه) لا يفرق بين البيضة والصوصة، المهم أنه (من الجماعة).
واستشرى ذلك المرض في كثير من جهات القطاع العام والخاص، فتجد المسؤول له مساعدون كلهم (من الجماعة) والمساعدون الذين من (الجماعة) لهم مساعدون كلهم من (الجماعة) وهكذا تمتد الجماعة حتى تصل إلى رؤساء الأقسام المهمة والحساسة، بل وصل الحد بنا إلى أنك تدخل دائرة من الدوائر فتجد الأغلب هم من (الجماعة) ولا مكان للوجه غير المعروف لأنه وجه نكرة حسب المثل المعمول به والساري المفعول بقوة (وجه تعرفه ولا وجه تنكره) أي أن الذي ليس من الجماعة هو نكرة ولو كان أجدر من كل (الجماعة)!!
هذا الشيء أوحى به إليّ مشهد رأيته في إحدى المؤسسات العامة حينما دخلتها، فرأيت كل الذين بأيديهم القرار والتوجيه وعندهم الحل والربط من قرية واحدة، بل هم كرماء حيث أعطوا الفرصة لقرية مجاورة لهم (من الجماعة) فتجد أن مدير عامها هو من نفس الفئة التي منها كل المساعدين ورؤساء الأقسام، عدا السكيوريتي فهم من غير الجماعة، أما الكل فهم من قريتين متجاورتين ولا يمكن أن يدخل معهم غيرهم لأنهم يعتبرونه من غير فئة (وجه تعرفه)!!
لا أدري ولا أعرف متى نتعامل مع المواطنين الذين يحملون حب وهم الوطن على مبدأ الجدارة والإنتاجية وإتاحة الفرص للكل لكي يثبت ذاته عن طريق الإنتاجية، ومتى ننتهي من العبارات المعتقة والراسخة والممارسة فعلا (من الجماعة) و(وجه تعرفه ولا وجه تنكره) أتمنى أن يأتي اليوم الذي يكون للكل وجه معروف عند الكل ولا يكون وجهاً منكراً في وطنه الذين يحبه.
abo-hamra@hotmail.com