المرور، أنظمة المرور ومخالفات المرور وحتى الوقوف دون مرور! أصبح لكثير من الناس، سواء القائدين منهم لمركباتهم أو هم الراجلون على أقدامهم من المشاة ومن مستخدمي الأرصفة، يمثِّل هاجساً وهماً جديداً آخر يضاف لهموم الدنيا العشر، ففي مدينة كالرياض تعمل على مدار الساعة وكأنها (ميد - 24 / 7) تجد أرتال السيارات تتلاطم ليل نهار، فالشواع هي هي إن لم تكن قد ضاقت عن ذي قبل، وعدد السيارات الخاصة في تزايد مستمر....
.....غير مسبوق ولا ينافسها في ذلك إلا عدد تأشيرات العمالة السائبة والعيادات الطبية
التي أضحت تعج بالمراجعين شاكية همومها إلى المولى عزَّ وجلَّ من الانفلات الأصغر لمستويات الضغط والسكر نتيجة الانفلات الأكبر لمستويات وأخلاقيات السياقة أو القيادة المرورية، فهل يكون الخارج من هذا النفق المظلم بتطبيق لائحة الجزاءات الجديدة للمخالفات المرورية!
ما نُشر في بعض الصحف المحلية مؤخراً عن وجود لائحة جديدة (أو ربما تكون قديمة - جديدة) تدعونا للتأمل مرة أخرى في نوعية وأسلوب التفكير الذي توليه الإدارة العامة للمرور في معاقبة عملائها المخطئين ولعلها تكون مناسبة للتحدث والتشاور في بعض البنود التي جاءت وغابت عن القائمة وذلك بمنهجية 0علمية منظمة يعرفها الكثيرون من الإداريين ومتخذي القرار.
فإذا ما استعرضا قائمة أو لائحة الجزاءات، نجد الآتي:
* عدم وجود بعض البنود التي كان يتوقّعها البعض، سواء من المراقبين أو السائقين أنفسهم مثل:
- عدم ربط الحزام.
- استخدام الجوال أثناء القيادة.
- تظليل السيارات بمادة داكنة السواد لا يعرف من بداخلها.
- احتضان السائق لأحد من الأطفال بجانب مقود المركبة أثناء القيادة.
- قيادة السائق وهو في حالة سكر (مخمور) أو متعاط للمخدر (أصبحت الكلمة دارجة ومألوفة ولا داعي للحرج).
-رمي النفايات من داخل السيارة (وربما تكون من مسؤولية الأمانات والبلديات)!
- القيادة باستمارة منتهية (وليست انتهاء الاستمارة).
- التفحيط (بأنواعه).
- الاحتفالات وتعطيل المرور.
ومن هنا يقودنا النقاش الهادئ والعلمي الممنهج للتعرض لحالات أو مشكلات قد لا تتوفر في بيئات أخرى ويجب التعامل معها بحكمة وروية من ناحية وبحزم وشدة من ناحية أخرى! فالجزاءات المنصوص عليها أضحت تقليدية وربما تعوّد عليها جموع المذنبين وبالذات في بلد حباه الله بسعة وبسطة في المال والجاه، فمهما كانت قيمة القسائم المالية فلن نعجز عن وجود شريحة واسعة من هؤلاء قادرة على دفع أضعاف هذه المبالغ وفي الحال! أما غرامة السجن، ولا أدري بمقصود العبارة هنا، فهل يعني التوقيف أم الحبس والسجن باعتبار أن الأخيرة أصبحت تناسب شريحة لا يُستهان بها من المذنبين والذين تقطّعت بهم السبل ولا مأوى لديهم وأقلها أن يقدّم لهم السجن الوجبات مجاناً وعندها يكون السجن أحب إلينا!
في منهجية الهندسة القيمية Value Engi
neering يعمد المشاركون (ومن جميع
التخصصات: الفنية والإدارية) وفي ما يُسمى بجلسة العصف الذهني Brainstorming إلى طرح العديد من البدائل الخلاَّقة أو الأفكار الإبداعية التي من شأنها تحقيق الوظيفة/ الوظائف للعنصر أو البند ومن ثم يتم التصويت على كل فكرة لقبولها أو رفضها وفي حالة القبول (مدى سهولة التطبيق، تكلفة التطبيق، والزمن المستغرق، وتوفر المواد، ومن سيقوم بها وهكذا) يتم تطوير الفكرة (دراستها بشكل تفصيلي من حيث مقارنتها بالفكرة الأصلية وبالذات من ناحية التكلفة، إذ إن هذه المنهجية تعنى برفع مستوى الأداء والجودة وفي نفس الوقت تخفض من التكلفة)، ومن هنا يمكن القول بأن هل الوظيفة
Function الرئيسية أو الأساسية لجزاءات
المخالفات هي (مادية) أو (تجارية) بحتة بحيث أن الجهة المعنية بحاجة ماسة وفعلية لذلك المردود أم هي (تأديبية) كنوع من العقوبة الرادعة للمذنب أو المخطئ، أم هي الاثنان مجتمعان!
ومن بدائل الهندسة القيمية أو ما أسميها أنا شخصياً (باعتبارها ليست تخصصاً هندسياً) بمنهجية أو تقنية الأفكار الإبداعية البديلة (لتناسب غير المهندسين في طرح أفكارهم أيضاً) ما يلي:
- سحب الرخصة (وليست المركبة كما جاء في القائمة) وذلك بعد تجاوز النقاط المسموح بها.
- الحكم على المذنب بالقيام بخدمة المجتمع (تنظيم مساجد، أو حدائق أو مبان حكومية أو القيام بأعمال تطوعية لمساعدة المسنين وهكذا).
- استخدام أسلوب التشهير بالمخالفة نفسها وعرض اسم الشخص وصورته والخطأ الذي قام به، وربما تكون هناك وسائل متعددة لنشر ذلك وعقوبة الجلد بحد ذاتها إشهار!
طبعاً، هناك العديد من الأفكار والمقترحات التي ممكن أن تصب في هذا الموضوع وتلقى الصدر الرحب من الإخوة في الإدارة العامة للمرور، آخذين في الاعتبار ما نسميه اليوم (البحث والتطوير) فلا يُعقل أن تترك بعض الأمور المرورية على حالها، بل يجب العمل على تحسينها والرفع من أدائها وكفاءتها بدءاً من نظام الإشارات وممر المشاة وأفضيلة المرور وتجاوز المسارات والتحكم في كاميرات ورادارات المراقبة ومن يذهب إلى الخارج يجد العديد من الجهود المبذولة بهذا الصدد، هذا كيف وإن بدأنا بالتعامل مع السائقين من ذوي الاحتياجات الخاصة أو القطارات أو وسائل النقل الجماعي أو حتى القيادة الناعمة من النصف الآخر.
وأخيراً كان الله في عون إخواننا المشتغلين في هذا القطاع، فالمسؤولية كبيرة ولن تقدر الإدارة العامة وحدها على مواجهة هذه التحديات، بل لا بد من تكاتف الجميع ولمصلحة الجميع، وربما وقبل أن نختم، أن ننوّه بأن بعضاً من ممارسي الهندسة القيمية قد اقترح (سيتم الحكم عليها لاحقاً والتصويت عليها) ولتحقيق ما نسميه الوظيفة الأسمى Higher Order Function ما يلي:
1 - تخصيص قناة فضائية إعلامية تهتم بشؤون المرور والتوعية وتعلم القيادة وأخلاقياتها والأسئلة المتكررة وهكذا.
2 - تخصيص حصة مدرسية دائمة (ربما في المرحلة الثانوية) لتعليم أدبيات وأخلاقيات التعامل مع المرور ورجل المرور.
واللافت للنظر في هذه المنهجية العلمية أنها تمنح المجال لطرح ومناقشة الأفكار ومن أي المشاركين وبدون اللجوء إلى التجريح أو الانتقاد الشخصي، فالباب دائماً مفتوح لكل ما هو إبداعي خلاَّق، والله الموفِّق.
مهندس استشاري، زميل وأخصائي هندسة قيمية معتمد - الرياض
emadshublaq@yahoo.com