أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز خلال استقباله لأعضاء مجلس الخدمات الصحية (أن لا شيء يغلى على هذا القطاع) وأضاف حفظه الله: (لا يوجد مستحيل ولا شيء يغلى عليكم وأنتم تعرفون الأمور الآن وما تسير فيه بلدكم من التطور والازدهار إن شاء الله).
حيث إن الطب والعلاج وتأمينهما لجميع المواطنين هو أبرز الخدمات الاجتماعية التي تقيم صرح التكافل الاجتماعي وتعنون المجتمع بعنوان مجتمع صحي قوي متماسك، حيث إن جميع الدول تصنف اليوم بمؤشراتها الصحية التي يقاس بها الوضع الصحي العام لشعبها إلى حد أن تكون أبرز اهتمامات وأجندة رؤساء الدول بجميع أحزابها خلال حملاتهم الانتخابية تتركز في وعودهم عن مدى إصلاح وتطوير الخدمات الصحية، وماذا سيعمل من أجل تحسينها وتيسيرها لتكون في متناول الجميع وبالتالي يكسب ودهم.. حيث إن جميع الشعوب في أرجاء العالم تحلم برعاية صحية شاملة.
أي إنسان همه الأول هو من سيرعاه في حالة إصابته بمرض (لا سمح الله) ومن سيخدمه أو يدفع تكاليف علاجه خصوصاً إذا لم يكن لديه تأمين من جهة عمله وليس لديه الإمكانية المادية لتغطي نفقات المرض بدون أي صعوبة، خصوصاً إذا طال أمد المرض أو احتاج المريض لدخول المستشفى لإجراء عمليه جراحية فإن ذلك يعني كارثة مالية بالنسبة له ولعائلته، لتعلن حالة الاستنفار وتبدأ رحلة الشقاء والرجاء.. والتوسطات حيث إن تكاليف العلاج مهما بخست ليست في متناول كل الأسر، والكل يخشى بعض الأحيان المصاريف الزائدة وهذا ما يخيفه من زيارة الطبيب في بداية الأمر أو أخذ العلاج للمدة الكافية، ونتيجة ذلك تطول مدة المرض مما يحدث الانتكاسات ويزيد في العبء المالي.
وإذا ما نظرنا لما وراء الخسارة المادية في المرض أي إذا نظرنا للشخص وللمجتمع نجد أن هناك تأثيراً نفسياً واجتماعياً حتى سياسياً يجب أن نحسب له الحساب.
كل مرض خطير يقلق بال المريض وعائلته من خطر الموت ومرارة الخيبة من الظروف السيئة، وكثيراً ما تحدث الصدمات النفسية والأمراض العصبية الأخرى في أصحاب الشخصية الضعيفة نتيجة للمرض والألم والعذاب الجسماني وفقدان العناية والاهتمام من المحيط الذي حوله في حالة الشدة والحاجة.. خصوصاً في ظل ظروف الضغط والازدحام الشديد وقوائم الانتظار الطويلة على المستشفيات الحكومية والتي لا تستطيع أن تشمل الجميع بخدماتها. وحتى يشعر كل مريض بالعناية والرعاية والثقة التامة بأن المسؤولين عن علاجه غير غافلين عنه، ومهتمين به حتى يصح ويشفى تماماً بإذن الله.
كلنا يعلم مقدار ما تتحمله الدولة سنوياً من أعباء مالية كبيرة في علاج ورعاية مواطنيها خصوصاً مع تزايد الأمراض وارتفاع نسبة الحوادث وزيادة النمو السكاني وفي ظل الارتفاع الباهظ لأسعار صناعة الطب والعلاج من معدات وأجهزة وتكنولوجيا طبية وغلاء أجور الأطباء والعاملين بالقطاع الصحي وهذا بدوره أثر في القطاع الصحي من استيعاب هذه الأعداد الكبيرة من المرضى والمراجعين وطول الانتظار لزيارة استشاري أو موعد تنويم، كما أثر في انخفاض مستوى جودة الطب بشكل عام وزيادة الأخطاء الطبية برغم الجهود الجادة والقوية في محاولة التطوير واللحاق بالركب الذي يسير بخطى سريعة.
حيث أولت حكومة خادم الحرمين الشريفين الرعاية الصحية في المملكة بقطاعيها الحكومي والخاص اهتماماً ورعاية كبيرة حتى استطاعت وبفضل الله من نشر الخدمات الصحية في جميع مدن وقرى المملكة، وذلك من خلال المستشفيات التخصصية والعامة والمستوصفات والمراكز الصحية.
وكانت الدولة قد خصصت لوزارة الصحة ميزانية بلغت 25.8 مليار ريال أي بزيادة قدرها 11% عن ميزانية العام الماضي وهكذا دواليك.
والتأمين الصحي اليوم.. وبأشكاله المتعددة يقوم بتخفيف هذا العبء بشكل واضح ويسهم في رفع الكفاءة والجودة في قطاع صناعة الطب والعلاج ويمكن أن يوفر رؤوس أموال للمستشفيات والبرامج الصحية تمكنها من تمويل نفسها وشراء الأجهزة ودعم الأبحاث وتقديم أجور عالية لاستقطاب الكوادر الصحية والفنية الماهرة كما هو واضح من تجارب الدول الصناعية المتقدمة التي سبقتنا طبياً وبمراحل عدة ويعود سبب ذلك ببساطة دخولهم سوق وصناعة التأمين الصحي مبكراً.. ومنذ القرون الوسطى!! ومهما تعددت أنواع التأمين وأشكاله في دول العالم، إلا أنه في أغلب الأحيان لا يخرج عن أحد هذين النظامين:
1- نظام التأمين الصحي Health Insurance) والذي يطبق اليوم في أكثر من 90 دولة صناعية ونامية في العالم مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وألمانيا واليابان.
2- نظام تأميم الخدمات الصحية (National Health Services) والمعمول به في دول عدة مثل بريطانيا ونيوزلندا وأستراليا وهولندا والسويد والنرويج وباقي الدول الإسكندينافية، حيث إن هناك فرقاً بين كل من التأمين الصحي H.I) وتأميم الخدمات الصحية NHS) من حيث النظرية والتطبيق وما هو أنسب نظام من هذه الأنظمة الذي يلائم التركيبة السكانية والجغرافية في المملكة ويطابق احتياجنا ورغباتنا من الناحية الدينية والاجتماعية والثقافية والمادية...إلخ، في محاولة للوصول للحلول المناسبة والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال وكذلك إيجاد البدائل التي تساعد في تطوير ورفع مستوى الخدمات الصحية فالنماذج المنفذة في أرجاء العالم كثيرة ومتعددة ويمكن الاسترشاد بها لتحقيق هذا الحلم بما يتفق وطموحاتنا وتحقيق أقصى فائدة تعود بالنفع للمواطن والمقيم.
حيث إن التكافل الاجتماعي في الإسلام بمؤسساته المتعددة وأنظمته سيجعل من السهل على الباحث الجاد رسم معالم لبدائل مقبولة ومدعومة بأمثلة حية وليست بالضرورة منطبقة تماماً مع النماذج الحالية للتأمين الصحي.
وبالرغم من أن الهدف واحد في التأميم والتأمين إلا أن الأسلوب والطريقة والتطبيق مختلف بينهما وربما يختلف المردود اختلافاً بيناً نتيجة لذلك.
حيث إن كلاهما يبث الأمن والطمأنينة والراحة النفسية التي تنعكس إيجاباً على صحة الفرد والمجتمع من ناحية ارتفاع معدل الأعمار وانخفاض معدلات الوفيات والقضاء على الأمراض والأوبئة (بإذن الله)، حيث كما أشرت من أن الصحة موضوع حساس ويحظى بتعاطف واهتمام المجتمع بشكل فطري وهذا مما دعا الدولة منذ خطتها الخمسية السادسة 1415هـ إلى التفكير في إيجاد آلية تضمن استمرارية الخدمات الطبية وبنفس الجودة والشمولية لجميع أفراد المجتمع (المواطن والمقيم)، وليسهم من الناحية الصحية في رفع مستوى الكفاءة في قطاع صناعة الطب والعلاج ومن الناحية الاقتصادية تكوين رؤوس الأموال والتي من شأنها رفع كفاءة الاقتصاد الوطني خصوصاً في الاتجار بها في المرابحات والمضاربات الشرعية وإنشاء الشركات الوطنية لتسهم في صورة إيجابية كبيرة في توسيع دائرة الاستثمارات الوطنية وبالتالي دفع حركة التنمية الاقتصادية عطفاً على ما توفره هذه المشروعات من فرص وظيفية لشباب الوطن، أيضاً ومن الأمور المتعلقة بهذه الجوانب ما يذكره الخبراء والاقتصاديون من إسهام التأمين في التحكم في التوازن الاقتصادي خصوصاً في عصرنا هذا عصر العولمة والخصخصة، إلى حد أن أتوقع أن هناك ستكون طفرة في صناعة التأمين الصحي.
وأخيراً يجب أن نقدر موافقة المقام السامي على مشروع الضمان الصحي التعاوني وهذا يدل على حرص قيادتنا في بلادنا العزيزة على راحة المواطن والمقيم وضيوف بيت الله الحجاج والمعتمرين والعناية بهم ومواكبة لما يمر به القطاع الصحي في العالم من تطور وإيمانا منها بدورها في دفع عجلة التقدم أسوة بالقطاعات الأخرى مستفيدة ومتطلعة لكل ما هو حديث في صناعة الصحة لتبرهن بذلك على أن الاستثمار في القطاع الصحي يجب ألا يخضع لمعايير تجارية أو اقتصادية بحتة، إنما هو أولاً وأخيراً استثمار إنساني يبتغى به وجه الله سبحانه وتعالى لخدمة المجتمع وتوفير الخدمة الصحية للقادر وغير القادر، وفي متناول الجميع على حد سواء تحت نظام يجسد مفهوم التكافل الاجتماعي في الإسلام بمؤسساته المتعددة والتعاون في تحمل تكاليف الرعاية الصحية وتوزيع أعبائها المالية على أكبر قدر ممكن، وذلك بالمشاركة بين الرؤساء والمرؤوسين، الأغنياء والفقراء، المرضى والأصحاء، وذلك من أجل صحة أفضل.
altassan2000@yahoo.com