Al Jazirah NewsPaper Thursday  21/02/2008 G Issue 12929
الخميس 14 صفر 1429   العدد  12929
دور التربية في التضخم الاقتصادي
محمد بن حمد البيان - باريس

قد يظن بعضهم أنه لا يوجد علاقة بين التربية والاقتصاد علماً بأن الرابطة بينهما وثيقة خاصة عند وجود التغيرات الاقتصادية ، هذه التغيرات قد يكون لها مسببات، فما أن تكون التغيرات إيجابية، وهذا ما يسعد الفرد في المجتمع، أو تكون عكس ذلك، حيث تزعجه، وتبعث في نفسه القلق مما حدث، فهناك ما يسمى بالتربية المالية، وكيفية التعامل مع المادة وإدارتها؟، والمقصود هنا بالمادة هي المال، إدارته، صرفه بحكمة ووعي، وكذلك التعامل مع السلع بكل أنواعها وأشكالها، ومدى الحاجة إليها، فمن الممكن بحث الموضوع من الناحية التربوية بالمفهوم الشامل العام للتربية، خاصة في هذه الأيام التي تشهد المملكة الارتفاع في أسعار السلع والبضائع.

فالتربية عبارة عن مدرسة واسعة من المفاهيم والحقائق العلمية الشاملة لكل جوانب حياة الفرد في المجتمع منذ ولادته حتى وفاته، ومن المؤكد أن الفرد يتعلم كل يوم شيئا جديدا، أو يكسب معلومة إضافية تساعده في نمط الحياة.

تلك الحقائق والمفاهيم الجيدة الكفيلة في بناء شخصية الفرد التي اكتسبها خلال مراحل حياته المختلفة منذ طفولته مروراً بحياته الدراسية وحياته المهنية المناطة بكسب العيش فما أن يكون هذا الفرد نافعا في مجتمعه، معينا في إصلاحه، مساهماً في بنائه، أو يكون عكس ذلك كله.

فالتضخم الاقتصادي أو الارتفاع في الأسعار للسلع والحاجيات هي ظاهرة عالمية تعاني منها الكثير من الشعوب والمجتمعات وخاصة عندما يكون هناك تغيرات في النظام الاقتصادي العالمي، ومع وجود مساع طيبة من قبل الحكومات إلا أن الفرد في المجتمع هو من يستطيع أن يؤثر تأثيرا بالغاً في ارتفاع الأسعار وانخفاضها، وقد يهمني هنا أن أطرح بعض النقاط التي تساهم في كيفية تأثير الفرد في المجتمع على هذه الظاهرة بما يعود عليه بالنفع والفائدة،

فبناء شخصية الفرد السعودي الصالح الواعي والمهيأ لاستقبال المفاجآت قد يهون قليلاً من صعوبة الحياة والتخفيف من التذمر والتشكي من الأحداث التي قد تكون قاسية من بدايتها حتى يتعود الفرد عليها.

أتابع في الواقع صرخات الناس في بلادي المملكة العربية السعودية من خلال بعض المواقع على الإنترنت بسبب التضخم في الأسعار للحاجيات الضرورية في الحياة، والتشكي للدولة لإيجاد الحلول المناسبة كزيادة في رواتب موظفي الدولة، أودعم السلع وغيرها من الحلول المحتملة لحل المشكلة.

ألا أن الزيادة في أسعار السلع إنما هو غول متوحش غطى العالم بأسره، قد لا يشعر به الفرد القاطن في المملكة كثيراً، لكن الفرد الذي عاش في خارجها أو تجول في بعض الدول سيجد أن الحياة في بعض تلك الدول لا تطاق بكل معنى الكلمة، وأن الوضع في المملكة أفضل وأنسب للحياة، حيث إن الدولة- حفظها الله- تحاول أن تجد بعض الحلول المناسبة لتخفيف وطأة الارتفاع في السلع، ومع ذلك فالفرد في تلك المجتمعات يتعامل مع الغلاء والجشع في ارتفاع الأسعار بأسلوبه الخاص بكل هدوء لكي يحقق فيه منافعه ويجلب متطلباته الخاصة لاستمرارية الحياة والسعي لحل مشكلته بنفسه.

هنا ألمس أن بناء شخصية الفرد في المجتمع على الاعتماد على النفس اعتمادا كاملاً أمر غاية في الأهمية، والتكيف مع الحياة في حدود إمكانياته المتاحة أمر ضروري للحياة، وقد يكون في التطرق لبعض الحلول الفردية التي تساهم في توفير الكثير من المصروفات اليومية التي هي ضريبة الحياة المدنية ومنها:

أولاً: قيمة العملة: أشعر أن الفرد السعودي لا يعرف ولا يقدر قيمة الريال القيمة الحقيقية حيث يصرف الكثير من المبالغ من منطلق حب الشراء، لا الحاجة للسلعة التي جلبها لنفسه أو لأسرته، ناهيك عن ضعف قناعته بقيمة القرش والهللة، حيث أجد أن القرش والهللة حتى هذه اللحظة لا ينظر إلى قيمتهما من قبل المشتري والبائع على حد سواء، ومن المؤكد أن البائع هو الكاسب في هذه الحالة حيث إن التقليل من شأنهما جعل المشتري لا يطالب البائع فيهما.

لأن البائع يجد أن الفرد المتسوق يهمل حقه في المطالبة بتلك المبالغ الصغيرة التي لا تذكر، وهنا أجد أن فكرة قيمة العملة زراعة كاسدة في بلادي، وليس لها رواج، فلم تزرعها تربية المدارس لأطفالنا، حتى تكبر معهم وينظروا لها بمنظار واقعي، ولم يزرعها المجتمع في نفس الفرد لكي يعرف ويقدر القيمة الفعلية للريال، كما أن المبالغ الصغيرة إذا جمعت كونت مبلغاً كبيراً ذا قيمة.

هذه النظرية أجدها في الكثير من دول العالم المتحضر، فعند ذهابك للتسوق، تجد أمامك صورتين إحداهما لمشتر حذق نبيه لا يتنازل عن حقه مهما كانت الظروف، وبائع متنبه لخطورة الخطأ أوالاستخفاف بحقوق غيره، لذلك يعيد المبلغ المتبقي من قيمة المشتريات بكل دقة بقروشه وهللاته (السنتات).

ثانياً: الخدمات العامة: سبق للدولة وأن ناشدت المجتمع بالترشيد في استهلاك الطاقة مثل الخدمات الكهربائية، وعدم الإسراف في هدر المياه، والدولة هنا لا تبحث عما يخفف عن كاهلها بل تود استشعار المواطن الفرد وتوجيهه الوجهة السليمة في حسن استخدام الطاقة حسب الحاجة وبدون هدر، هذا سيعود على الفرد السعودي بفوائد مالية جيدة منها بأن تخف عليه فاتورتي الكهرباء والماء، وكذلك الفوائد الجمة التي تعود على المجتمع، علماً أن الإضاءة المستمرة للمصابيح يقلل من العمر الافتراضي للمصباح، فسيضطر الفرد من تأمين بديل للمصباح الذي انتهت فعاليته.

كما لا يفوتني وأن أذكر بالمصاريف الباهظة التي يصرفها الفرد في استخدام تقنية الاتصالات سواء التليفون الثابت، أو الجوال أو الإنترنت وغيرها.

وتربية المجتمع لم تستجب لنداءات الدولة حول الترشيد، ولم تجعل الفرد يقتنع بالعوائد الكبيرة من الجدوى الاقتصادية للترشيد، كما أن المؤسسات التعليمية والتربوية لم تستقبل الفكرة بصورة جادة لكي تغرس مفهوم الترشيد في المصروفات في نفوس طلابنا وطالباتنا.

ثالثاً: الكميات: هناك عدم توافق وتناغم بين الكميات المشتراة، والكميات المطلوبة لسد الحاجة الفعلية نجد أن الفرد السعودي يشتري بنهم كميات كبيرة خاصة من أسواق الخضار والفواكه، ومحلات البيع بالجملة، حيث إن الفرد في أغلب الأحيان لا يعترف بنظام الكيلو جرام وما شابهه من معايير القياس إنما كل مشترياته حسب نظام الصندوق والكرتون بالكامل، ذي الكميات الكبيرة التي قد تكون زائدة عن حاجة الفرد وأسرته، ومن المؤكد أن الكميات الزائدة لا بد من التخلص منها بأي طريقة، وغالباً تذهب في أكياس النفايات، وهذا يعني أن الفرد أهدر شيئا من ماله، فمبدأ الشراء للحاجة، وحسب القياس دون زيادة غير وارد، ولم تكن هناك مؤشرات جيدة لتوجيه الفرد نحو الشراء بحكمة وحسب الحاجة والطلب.

رابعاً: الضروريات والكماليات: من ضروريات الحياة التفريق بين السلع والحاجة إليها، وتصنيفها إلى ضروريات وكماليات، فمنها يمكن للفرد أن يقرر عند تأمين المتطلبات بأن يؤمن الضروري، ويترك الكمالي حتى لو ترك تركًا مؤقتا، وحتى أن تكون الأسعار مناسبة مقابل السلعة، فالتربية الحياتية تسعى لتثقيف الفرد نحو تحديد الضروري من السلع، والكمالي منها، حتى لا يكون هناك إفراط أو تفريط في هذه الناحية الأساسية للحياة.

خامساً: الاستفادة من المقتنيات: قد يكون من الضرورة إقناع الفرد نفسه بالاستفادة التامة من كل ما يشترى، سواء في أسلوب الاستفادة من البضائع الاستهلاكية أو في المحافظة وحسن استخدام الأشياء الدائمة مثل الأجهزة بأنواعها وأشكالها حتى تنتهي المدة الافتراضية لصلاحيتها، فسوء الاستخدام هدر كبير للممتلكات، فهذه الآلة أو تلك عند خرابها أو كسر جزء منها بسبب سوء الاستخدام أو الإهمال، ولكونها ضرورية للحياة فلابد من تأمين بديل عنها، وهذا بحد ذاته خسارة مالية كبيرة بسبب عدم الجدية بالمحافظة عليها وحسن استخدامها.

هنا يفضل أن يعيد الفرد السعودي حساباته قليلاً نحو النظرة الواقعية للحياة ومتطلباتها، ودراسة نظرية الترشيد في الاستهلاك في شتي متطلباته، لكي يجني فوائد الترشيد في المصروفات، حتى يستطيع التكيف مع كل المتغيرات الاقتصادية التي تحدث في المجتمع، كما أنه لا بد أن يكون هناك مشاركة فاعلة من قبل المؤسسات التربوية والتعليمية في كل المراحل التعليمية سواء بالمدارس والجامعات نحو العمل على بناء شخصية الفرد السعودي القوي القادر على التعامل مع صعوبات الحياة بكل أشكالها وأنواعها، المتكيف مع كل المتغيرات حسب الإمكانات الخاصة به وخاصة المالية.

فليس هناك غضاضة من تطبيق نظرية الترشيد من جميع شرائح المجتمع حتى القادرين على مواجهه الغلاء، فالفائدة هنا مشتركة، فائدة الفرد في التوفير المالي لبناء مستقبل واعد، وفائدة وطنية في جوانب عديدة.

أتمنى من كل فرد في المجتمع السعودي أن يوجه أبناءه وبناته وزوجته بالعمل على الوعي الاقتصادي وإعادة النظر في أسلوب الحياة السابقة بكل النواحي التي تتطلب الصرف، والحرص على عدم التبذير في المشتريات، وهذا الأسلوب التربوي سيوقف تلقائياً التذمر من غلاء الأسعار، ومواجهة الحياة على حقيقتها. .والله ولي التوفيق.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد