إذا كان المواطن يجب أن يكون رجل أمن في إطار واجباته ومسؤولياته الوطنية، فإن رجل التربية والتعليم هو الرجل الأول في العملية الأمنية انطلاقاً من نظرتنا إلى التربية على أنها عملية تكاملية وشاملة في بناء الإنسان وتكوينه وإعداده لخدمة نفسه ووطنه ومجتمعه.
فالتعليم يبني شخصية الإنسان ويكون فكره واتجاهاته ويؤسس لسلوكه، ذلك السلوك الذي يمكن أن يكون شكل الحياة من حولنا فهو نتاج بشري يرتبط بمعيشة الناس ويحدد صورة الحياة بينهم.
وتقتضي النظرة الشمولية للتربية، وكذلك النظرة المتكاملة إلى الأمن من حولنا أن يكون التعاون وثيقاً بين المجالين، ولعل هذا ما يعبر عنه صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز - وزير الداخلية - حين وجه بتكثيف التواصل بين القطاعات الأمنية والمؤسسات التعليمية حتى يضاف بعداً مهماً للعملية التربوية والتعليمية، وهو البعد الأمني الذي يجب أن يكون واضحاً وراسخاً في العلاقة بين هذين القطاعين المهمين في حياتنا.
إن هذه النظرة المنصفة إلى التربية وإلى الأمن والعلاقة بينهما هي التي تؤسس لحالة أمنية فريدة تتغلغل آثارها إلى نفوس المواطنين منذ وقت مبكر، أقصد به وقت الدراسة والالتحاق بمؤسسات التعليم، فتربي فيهم قيم الإسلام الصافية وتعاليمه الإنسانية السمحة التي تقوم على الاعتدال والوسطية والصفح والعفو والتسامح والتعاون على البر والتقوى ونبذ الإثم والعدوان، وتغرس فيهم سلوكيات الرحمة والتعاطف ونجدة الملهوف والمستغيث والبحث عن الحكمة التي هي ضالة المؤمن والانفتاح على المعرفة المفيدة التي ترتقي بها الحياة وتزدهر بها معيشة الناس، وتقبل رأي الآخرين ما دام صالحاً، ومناقشة غير الصالح منها بالحكمة والتريث والتعقل، والتعايش مع الآخر ما دام غير ظالم أو معتد، والبحث عن أفضل السبل لتحسين واقع الحياة والتطلع إلى المستقبل، والإيمان الراسخ بأن هذه الحياة مزرعة للعمل فيجب أن نحسن أعمالنا فيها حتى ننال بعون الله سعادة الدنيا وحسن ثواب الآخرة.
هذه القيم والسلوكيات التي تحرص عليها مؤسساتنا التعليمية هي الإسهام الحقيقي لها في الأمن والاستقرار حين تبني النفوس عليها وتؤكدها فعلاً وسلوكاً في حياتهم.
وإذا انطلقنا إلى شمولية المفهوم الأمني وجدنا الدور البارز والحقيقي لمؤسساتنا التعليمية الذي يلقى على عاتقها في هذا المجال فهي تعد المواطن الذي هو أمل هذا الوطن في البناء والتنمية في المصانع والمزارع والمدارس والمستشفيات، وقيادة دفة التقدم والتنمية في كافة الميادين العلمية والتقنية والمعرفية وهي التي تعده أيضاً ليكون مؤهلاً للدفاع عن مقدسات وطنه ومكتسباته ضد محاولات الغدر والحقد والعدوان، ولذلك فإن التعليم هو الحصن الأول للأمن، والسد المنيع الذي يجب ألا يؤتى من قبله الوطن.
ومن كرم الله علينا أن التعليم في بلادنا يقوم منذ تأسيس هذا الصرح الكبير على تنشئة المواطن على تعاليم الإسلام التي تجعل خير البشرية وصالحها هو أساس حركة الإنسان في هذا الكون، ومن كرمه سبحانه أن جهود قادة الوطن قد توجهت إلى نشر التعليم وتوفير فرصة لكافة المواطنين عن قناعة منها أن سلاح التعليم المبني على الإيمان والعقيدة الصافية هو سلاح نفاذ لا يقهر في معارك البناء والتنمية وتحقيق الأمن الشامل والمحافظة عليه فوق أرض هذا الوطن المعطاء.
ولمَّا كان التعليم هو البوابة الرئيسية للأمن فإن الواجب يتضاعف على رجال الأمن ورجال التربية والتعليم كل يشد من عضد أخيه، فالأمن والتربية صنوان في عملية بناء الإنسان في صيانة سلوكه، والمحافظة على أمنه واستقراره والذي هو أمن واستقرار الوطن وأبنائه.
ولذلك فإننا في حاجة إلى تعاون أوثق في هذا الميدان في ظل ما مرت به المملكة من ظروف أمنية طارئة لم تعهدها من قبل جراء فكر دخيل وسلوك منحرف طائش. فلقد كان لرجال الأمن هيبتهم ووقفتهم المشرفة دفاعاً عن أمن الوطن والمواطن، وكان للمواطنين دورهم المتميز في أداء واجبهم نحو أمنهم ووطنهم، وأخذت وزارة التربية والتعليم ورجالات التربية في الوطن تكثف من جهودها دفاعاً عن أمن الوطن، وعقدت المنتديات الفكرية والندوات المتخصصة في الفكر الأمني والتربوي، وهكذا تواصلت الجهود لأداء شرف الدفاع عن أمن الوطن.
ومع كل هذه الجهود التوعوية إلا أن الواجب يقتضي منا مواصلة العمل لتأصيل العلاقة وتقويتها بين الأمن والتربية من خلال خطة علمية محددة وواضحة المعالم، تعمق العلاقة والتعاون بين رجال التربية ورجال الأمن، وتوثق الصلة بينهم فيما يعود بالخير على مسيرة الأمن الشاملة في المملكة، حتى نوجد جسوراً ممتدة ومتواصلة عبر النشاط المدرسي وانفتاح المدرسة على رجال الأمن وتعليم السلوك الأمني والثقافة الأمنية لأبنائنا ومشاركة رجال التربية في دراسة المشكلات التي يمكن أن يتعرض لها أمن هذا الوطن بما لهم من خبرات تربوية ونفسية واجتماعية، والتشارك في مقاومة مسببات السلوك المنحرف الذي يجب وأده في مراتعه الوخيمة حتى لا يستشري ويسيء إلى أمن الوطن والمواطن ليظل التعليم حصناً لأمننا واستقرارنا على مدى الأزمان.