العنف مفهوم قديم جديد، فهو يرد في المفهومات الغربية بمعنى العدوان أياً كانت أنماطه، أو أنه يعني الإيذاء بوقوع الضرر الجسدي أو المعنوي المقصود والموجه، فكليته للآخر، أو أنه سلوك ضدي بواعثه تنطلق من مشاعر عدوانية قابضة، وآلياته مُدمرة، واتجاهاته متصلبة نحو الآخر المترصد في دائرة التضاد.
وغالباً -إن لم يكن حتماً- لا يخضع هذا السلوك لأية محدودية زمانية أو مكانية على الإطلاق، أو وجوبية الإخفاء أو الإظهار، أو التمحور حول مستويات بعينها في الدنو أو العلو الفئوي الطبقي أو البيئي، ولا يشمله التدرج الإجرائي لأنه يعتبر رد فعل غضبي تدميري.
هكذا نجد مفهوم العنف في الدراسات والمقولات الغربية، أما لدينا نحن أرباب الديانة السمحة والقيم الإنسانية التي تنضوي على الرحمة والإحسان والحب والوئام والعفو والتسامح والصفاء. وهو دين ينهض على قواعد العدل والإحسان والسلام بما يشمل الدوائر الإنسانية كلها، مصداقاً لقوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (سورة النحل: 90).
وينددون في الغرب في سلوك العنف الأسري، موجهين مقولاتهم إلينا مخفينا ما يفعلون بهذا الصدد، وينعتوننا بالعنف تجاه زوجاتنا ويتشدقون بمواثيق معنونة بحقوق المرأة. فأي امرأة يقصدون، هل ذات العري الجسدي والعقلي والخلقي السافرة لديهم أم المرأة العفيفة الطاهرة المستقيمة على الصراط القويم لدينا؟!
إنهم - هناك - يتصورون أن لدينا وهناً في العلاقات القائمة في المحيط الأسري بين الزوج والزوجة والأبناء والآباء والأقرباء بما يوحي بأنها شبكة عنكبوتية سقيمة تتسم بسلوك العنف المقيت والعدوان التسلطي العقيم من قبل زوج قاهر لأفراد أسرته الإنسانية جمعاء.
وإزاء ذلك نقول لهم مهلاً إن تصوراتكم المريضة تهيئ لكم أن القوامة الرشيدة الحكيمة العادلة في محيط الفسق الأسري هي المعيار الضابط لسلوك التواصل التفاعلي وتوجيهه بحكمة وروية نحو الصلاح القيمي والاستقامة المعيارية والسلوكيات السوية والتعاليم السماوية ابتغاء مرضاة الله الهادي القويم. والرأي لدينا هنا وعن قناعة علمية وأخلاقية أن العنف الأسري بما يتخذه من أنماط متعددة منها ما هو مادي أو نفسي يمس -بالضرورة- حرية الآخر وكيانه ومكانته وتوجهاته الفكرية والسلوكية، ليس هذا وفقط بل إنه تشويه لثقافة المجتمع ودعائمه القيمية ومفهوماته نحو التنشئة الاجتماعية.
إذن فالأسرة لدينا هنا إنما تنهض على دعائم التواد والتراحم من منطلق الحديث الشريف: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)، وعلى قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (سورة النساء: 19).
وهذا هو أساس العلاقة التفاعلية المتوافقة بين الرجل والمرأة في نطاق أسرة متحابة ملتزمة بالخلق القويم، كما أنها مسؤولة مسؤولية كاملة تجاه بعضها البعض، مسؤولية أخلاقية غائية، حيث تستهدف التعايش الهنيء المتوافق بين أطراف العلاقة داخل النسق الأسري والحفاظ على حقوق كل طرف فيها والتعامل الحسن الودود الرؤوف.
هذا هو النموذج الإسلامي في التفاعل السوي داخل النسق الأسري، فإن شذ عنه البعض لا ينسحب على الكل من منطلق أن لكل قاعدة شواذاً، وأن الأساس الذي يعتمد عليه الكل هو المودة والرحمة كما جاء في قول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(سورة الروم: 21). ولذا تنهض العلاقة على أساس العدالة في الحقوق والواجبات، فحق الزوجة على زوجها الرعاية وصيانة الاستقرار والأمن المعيشي والوفاء بحاجاتها والحفاظ على أموالها.. ويفوق ذلك كله تناغم وانسجام العشرة واستمتاع كل بالآخر على الوجه المشروع.
هكذا المرأة لدينا مصانة: لا ظلم عليها ولا افتئات ولا تقصير في نيلها حقوقها الواجبة التي تضمن حقها في التعليم وتعرف أمور دينها وتهيئة المناخ المناسب لأداء الفرائض، وحقها في العمل بآلية الدولة وفي الحياة العامة بحيث لا يتعارض عملها مع واجباتها الأسرية أو مع طبيعتها كأنثى وبما يحفظ عليها شرفها وعفتها وكرامتها.
ويجدر الرد إذن على مدعي الحفاظ على حقوق المرأة وواجب التصدي لإمارات العنف الأسري، أنه لا يتخلل ثقافتنا ثقافة العنف ضد المرأة لا في المعتقد ولا في المواقف ولا في سلوكيات التفاعل والتواصل ولا في الممارسات المجتمعية. وفي الحق وللحقيقة لا عنف ذكوري ولا عنف عنصر وتسلطي كأداة للسيطرة والتسلط إلا في محيط الثقافة العنصرية الغربية وصاحباتها.