Al Jazirah NewsPaper Thursday  21/02/2008 G Issue 12929
الخميس 14 صفر 1429   العدد  12929

نوافذ
الخصم... والحكم
أميمة الخميس

 

لم تكن في يوم ما العلاقة ودودة ومستتبة بين وزارات الإعلام في العالم العربي والمثقف، أو أولئك المهتمين بالشأن العام على وجه العموم.. فظلت تلك العلاقة مشدودة خاضعة للتجاذب والتنافر ملخصة قول الشاعر:

يا أعدل الناس إلا في معاملتي

فيك الخصام وأنت الخصم والحكم

فالمثقف يتهم وزارة الإعلام بأنها مؤسسة حكومية رقابية تكرس كل أجهزتها وسلطتها لمراقبة المثقف وحصره ضمن أسقف ضيقة، وخطوط حمراء يعجز عن تجاوزها، أو التعدي على ضوابطها، وهي بالتالي تسعى إلى تكريس والحفاظ على ما هو قائم على حساب التجديد والتطوير والنقد الذي يتقصى مواطن القصور والخلل.

ولعل الوثيقة التي أصدرها وزراء الإعلام العرب في اجتماعهم الأخير تحاول أن تتخلص من هذه التهمة القديمة لأنهم يرون أنها باتت منقطعة عن الواقع في عصر الانفجار المعلوماتي، فبين 500 قناة فضائية عربية تكتم الفضاء فوق رؤوسنا، 20% من هذه القنوات فقط تمثل قناة رسمية والبقية ترجع ملكيتها للقطاع الخاص أو (الأفراد تحديداً) ولا سيما أن الإعلام على مستوى العالم بات يمثل شركات كاسحة عابرة للقارات وقادرة على الهيمنة على الرأي العام العالمي وتوجيه الآراء وقيادتها بشكل مطلق.

في المقابل نجد أن وزارات الإعلام ترد على (يوتيبا) المثقف المثالي الغاضب ببيت الشاعر:

(ويلي عليك وويلي منك أيها الرجل)

وترى أن المثقف النافر الناشز كثيراً ما تقوده الجماهير بدلاً من أن يقودها، فيخضع للجيشان الجماهيري، ومطالباته العاطفية القائمة على الإنشاء والركام اللغوي، وبالتالي تصبح بيانات المثقفين عملية تجييش للجماهير عبر الخطب الرنانة دون أن يكون هناك مسؤولية كاملة عن الكلمات التي تطلق في هذا الفضاء الإعلامي الكثيف والمتشابك من حولنا.

وأشار وزير الإعلام المصري أنس الفقي في بيان ذلك الاجتماع الختامي إلى (أنه ما من داعٍ لتسييس القضية وإدخالها باب المزايدات) وأضاف (على حد قوله) إنه حتى في الدول التي بلغت حداً كبيراً من الحريات يبقى هناك رقابة للمادة الموجهة للمجموع والمستهدفة كل بيت وأسرة.

يظل لنا من هذا كله أن نعترف بأن سقوف الإعلام في العالم العربي قد ارتفعت إلى حد ما مؤخراً، وبات الكثير من القضايا يُطرح ويُناقش بشكل مباشر ومسؤول، وبالتالي يجب الحرص على أن تبقى هذه المكتسبات أرضية تنطلق منها الحريات المنضبطة المسؤولة، والبعيدة عن التشنج والشعارات، التي تضع المصلحة الوطنية على رأس اهتماماتها، وليس تلك التي تسعى إلى تهييج الجماهير والتلاعب بالعواطف.. وبالتالي ينتظر الجميع من وثيقة الإعلام العربي التي صدرت مؤخراً أن تكون محطة مؤقتة في الطريق الذي يسير فيه الإعلام العربي نحو استقلاليته التامة، وتحوله إلى سلطة محايدة ومراقبة ومستقلة.

وأيضاً نأمل منها أن تكون منقياً ومطهراً للفضاء الإعلامي الكثيف فوقنا، وليس كمامات للأفواه والآراء واستلاب للسنتيمترات القليلة التي نالها المثقف العربي في سقوف حريته خلال سنواته الأخيرة.

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6287 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد