Al Jazirah NewsPaper Thursday  21/02/2008 G Issue 12929
الخميس 14 صفر 1429   العدد  12929
أضواء
البوابة الشرقية.. بوابة تغيير الهوية (2)
جاسر عبدالعزيز الجاسر

القبائل العربية التي اتخذت العراق موطناً لها لم تكن من القبائل الطارئة، ولم تحضر للعراق نتيجة ظروف مناخية أو بيئية أو نتيجة الحروب أو تتبع الكلأ والمياه، بل كانت العراق ولا تزال موطناً أصلياً للقبائل العربية وخاصة جنوب العراق التي كانت تُسمى ب(أرض السواد) لكثافة سكانها وكثرة نخيلها، وقبل الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة ثم الدولتين الأموية والعباسية كان للعرب حواضر ومراكز حضرية في العراق من أهمها الحيرة؛ وللقبائل العربية شأن كبير، وقد قاد القائد العربي المثنى بن الحارثة الشيباني حملات عديدة للتصدي لجور الفرس وحاول تطهير الأراضي العربية في العراق من سيطرتهم وهيمنتهم عليها، ويستذكر العراقيون مواقف هذا القائد العربي فتُسمى إحدى محافظات الجنوب ب(المثنى) تكريماً لذكراه، مثلما تُسمى المحافظة المجاورة لها ب(القادسية) تخليداً لذكرى معركة القادسية التي طهر بها العربُ المسلمون العراقَ من الاحتلال الفارسي.

وهكذا فللقبائل العربية والعرب وجود قوي وراسخ في العراق أفشل كل محاولات من حاول سلخ الهوية العربية عن هذا القطر العربي، إذ قاومت القبائل العربية كل المحاولات السابقة مثلما تقاوم حالياً ما يجري من محاولات خبيثة لإلغاء الهوية العربية، فقبائل مثل بني تميم وبني مالك وأبو عامر، والمنتفك وخفاجة والبوحسن وحجام ومشحر وعنزة وحرب والدليم والجبور والعبيد وزوبع والجحيش وأبورياش والمفرج وغيرها من القبائل العربية وأفخاذها، وهذه القبائل بينها مَنْ تشيَّع وخاصة في الجنوب فيما حافظت القبائل العربية في الشمال والوسط على الإبقاء على الالتزام بمذاهب أهل السنة، ولكن ومع هذا فإن الانتماء القبلي والعربي قوي لدى هذه القبائل، وترى في القبائل العربية من ينتمي إلى المذهبين السني والشيعي، مثلما ما هو موجود في قبائل المنتفك في محافظات ذي قار والبصرة وميسان، ومن أبنائهم الدكتور عادل عبدالمهدي نائب الرئيس العراقي، فيما تضم قبائل المنتفك آل سعدون الذين يتولون مشيخة تحالف قبائل المنتفك وهم من أهل السنة، ونجد تداخلاً بين السنة والشيعة لدى شمر وحرب وحتى في قبيلة عنزة في العراق وإنْ كان بصورة قليلة بالنسبة للشيعة، وقد عزز هذا التداخل في تماسك القبائل العربية التي لم تكن تتأثر بالاختلافات المذهبية حتى حصل زلزال الاحتلال الذي جلب معه الفتنة المذهبية من الخارج التي أثرت في النسيج القبلي في السنين الثلاث الأولى إذ بدأ تغلغل (الصفويون الجدد) وخاصة في محافظات الجنوب الثلاث: البصرة، العمارة، ذي قار (الناصرية) وتعززت الهيمنة الطائفية في بعض محافظات الفرات الأوسط، خاصة في كربلاء والنجف، إلا أن القبائل العربية استشعرت الخطر الذي يهدد الهوية والانتماء العربي خاصة بعد أن دفعت الأحزاب الطائفية بقادتها الذين ينحدرون من أصول غير عربية إلى مراكز السلطة، فمجالس المحافظات وقادة الأجهزة الأمنية ورؤوساء الإدارات يحتلها (الصفويون الجدد)، الذين يحلو لكثير منهم التحدث باللغة الفارسية فيما بينهم، كما شاهد العرب من أبناء القبائل وبكثير من الغضب رفع صور للقيادات الإيرانية بدلاً من القيادات العراقية الحالية، لتصبح حالة مشابهة مثلما هو في كردستان الذي استبدل العلم الوطني العراقي بعلمٍ اختاره إقليم كردستان، أما في البصرة فقصور المرشد وضعت بدلاً من مام جلال والمالكي لتبدأ اليقظة العربية التي بدأت من بين صفوف القبائل العربية في الجنوب، هذه القبائل التي ينتمي أكثرها للمذهب الشيعي، إلا أنها لا تقبل الهيمنة الأجنبية حتى وإن جاءت من قبل أصحاب المذهب الواحد، وهو ما يذكرنا بأن الجيش العراقي الذي خاض الحرب مع إيران كان جنوده جميعاً من أبناء الجنوب الشيعة.



jaser@al-jazirah.com.sa
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 11 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد